عدد زوار المنتدى
.: عدد زوار المنتدى :.
< SPAN>
المواضيع الأخيرة
لن ننساكم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 43 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 43 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 689 بتاريخ الجمعة 21 يونيو 2013, 9:15 pm
يهود أم جماعات يهودية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
يهود أم جماعات يهودية
يهود أم جماعات يهودية
يتصور كثير من الدارسين أن كلمة (يهودى) دال له مدلول واضح ومحدد يشبه في وضوحه وتحدده دالاً مثل "ألماني". فالألماني هو فرد ينتمي إلى الفرع النوردى من الجنس الأبيض من الناحية العرقية، وإلى الحضارة الغربية من الناحية الحضارية العامة، وإلى الثقافة الجرمانية من الناحية الإثنية. وهو يتحدث الألمانية، وينتمي إلى الشعب الألماني. والعناصر المشتركة بين أفراد هذا الشعب كثيرة ومهمة، ولذا فهي ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية تفوق بمراحل العناصر غير المشتركة بينهم (تعدد اللهجات ـ تنوع الألوان المحلية ـ انقسامهم إلى طبقات).
ولذا يتحدث كثير من الدارسين عن اليهود وكأنهم كتلة واحدة متماسكة ومتجانسة فعلاً، ويتم التعبير عن هذا بكلمات مثل كلمة "جوري Jewry" الإنجليزية التي تعني "اليهود باعتبارهم كلاً متماسكاً"، ويصبح افتراض الوحدة والتماسك والتجانس أكثر وضوحاً حينما يتحدث الباحث عن اليهود باعتبارهم "الشعب اليهودي" و "الأمة اليهودية" وهو ما يعني أن اليهود ينتمون إلى تشكيل حضاري واحد، وأن لهم تاريخاً واحداً، ومصيراً واحداً، ومستقبلاً واحداً، وربما عرقاً واحداً وانتماءً، ثقافياً واحداً، وأن مصالحهم واحدة وتطلعاتهم واحدة، وأن العناصر المشتركة بين يهود العالم أكثر أهمية من العناصر غير المشتركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان ثمة عناصر مشتركة بين يهود العالم، فما هي؟ وهل هذه العناصر المشتركة أكثر تفسيرية وأهمية من العناصر غير المشتركة؟
التاريخ اليهودي
لنأخذ، على سبيل المثال، فكرة "التاريخ اليهودي" الذي هو مصطلح يفترض وجود تاريخ يهودي مستقل عن تواريخ جميع الشعوب والأمم، وهو مفهوم تتفرع عنه وتستند إليه مفاهيم الاستقلال اليهودي الأخرى. ومفهوم التاريخ اليهودي يفترض أن لهذا التاريخ مراحله التاريخية وفتراته المستقلة ومعدل تطوره الخاص، بل أيضاً وقوانينه الخاصة، وهو تاريخ يضم اليهود وحدهم، يتفاعلون داخله مع عدة عناصر مقصورة عليهم، من أهمها دينهم وبعض الأشكال الاجتماعية الفريدة. واستقلالية أي بناء تاريخي تعني استقلالية بناه الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك استقلالية البني الحضارية والرمزية المرتبطة به، وتجانسها النسبي في كل مرحلة من مراحله. كما أن هذا البناء يضم جماعة من الناس لا وجود لها خارجه، ولا يمكن فهم سلوكها إلا في إطار تفاعلها معه. ولكن من الثابت تاريخيا أن الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم كانت تتسم بعدم التجانس وعدم الترابط وبأن أعضاءها كانوا يوجدون في مجتمعات مختلفة تسودها أنماط إنتاجية وأبنية حضارية اختلفت باختلاف الزمان والمكان. فيهود اليمن، في القرن التاسع عشر، كانوا يعيشون في مجتمع صحراوي قبلي عربي. أما يهود هولندا فكانوا في الفترة ذاتها يعيشون في مجتمع حضري رأسمالي غربي. ولكل هذا نجد أن سلوك اليهودي اليمني ورؤيته للكون تحكمها إلى حد كبير عناصر البناء التاريخي العربي الذي يعيش فيه، تماماً كما تحكم سلوك يهود هولندا ورؤيتهم مكونات البناء التاريخي الغربي الهولندي.
والآن، إذا افترضنا جدلاً وجود تاريخ يهودي، فما هي أحداث هذا التاريخ؟ هل الثورة الصناعية، على سبيل المثال، ضمن أحداث هذا التاريخ، أم أنها حدث ينتمي إلى التاريخ الغربي؟ في الواقع سنكتشف أن الثورة الصناعية حدث ضخم في التاريخ الغربي، ترك أعمق الأثر في يهود العالم الغربي، وأحدث انقلاباً في طرق حياتهم ورؤيتهم للكون في القرن التاسع عشر، أي بعد حدوث الانقلاب بفترة وجيزة، لكن هذا الانقلاب لم يحدث لهم باعتبارهم يهودا وإنما بأعتبارهم أقلية توجد داخل التشكيل الحضاري الغربي، إذ إننا سنجد أن هذا الانقلاب في طرق الحياة والرؤية للعالم قد حدث أيضاً لأعضاء الأغلبية ولأعضاء الأقليات الأخرى الموجودة داخل المجتمعات الغربية. وفي الوقت نفسه، لم يتأثر يهود العالم العربي بالثورة الصناعية بالدرجة نفسها، ذلك لأن التشكيل الحضاري العربي كان بمنأى عن هذه الثورة الصناعية في بداية الأمر، لكن بعد نحو قرن من الزمان، بدأ هذا التشكيل يتأثر بالثورة الصناعية، وبالتال بدأ أثرها يمتد إلى معظم المجتمعات العربية بأغلبياتها وأقلياتها، أما يهود إثيوبيا فلم يتاثروا إلا بشكل سطحي، لأن المناطق التي يعيشون فيها ظلت بمنأى عن هذه التحولات الكبرى، وبقيت ذات طابع قبلي حتى الوقت الحاضر. لذا يمكن القول بأن معدل تأثر اليهود بالثورة الصناعية مسألة مرتبطة بكونهم أعضاء في مجتمع ما. فإذا تأثر هذا المجتمع بالثورة الصناعية فإن أعضاء الجماعات اليهودية يتأثرون بها بالمقدار ذاته، وإذا فالإطار المرجعي للدراسة لا يمكن أن يكون التاريخ اليهودي. ولو جعل الباحث هذا التاريخ مرجعيته لعجز عن تفسير كثير من عناصر عدم التجانس والتفاوت في هذا التاريخ، ولاضطر إلى لي عنق الحقائق ليفسر سبب تأثر يهود لندن بالثورة الصناعية فور حدوثها ولم يتأثر بها بعض يهود إثيوبياً حتى الآن!
هوية يهودية وموروث يهودي
إذا كان من الصعب قبول مقولة "التاريخ اليهودي" فإنه يصبح من الصعب بالتالي الحديث عن "الهوية اليهودية" أو عن "الشخصية اليهودية"، إذ أن من الواضح أن أعضاء الجماعات اليهودية هم جزء لا يتجزأ من التشكيلات الحضارية التي يعيشون في كنفها، بتفاعلون معها تأثيراً وتأثراً، شأنهم في هذا شأن أعضاء الأغلبيات والأقليات.
لنأخذ على سبيل المثال الموروث الثقافي لأعضاء الجماعات اليهودية، إننا سنلاحظ مثلاً أن اللغات التي يتحدثون بها تختلف باختلاف المجتمع الذي ينتمون إليه، فهم يتحدثون الإنجليزية في البلاد التي تتحدث بها، والفرنسية في فرنسا، والجورجية في جورجيا.
وتشير المراجع الصهيونية إلى اللادينو (وهي رطانة إسبانية كان السفارديم يتحدثون بها)، واليديشية (وهي ألمانية العصور الوسطي بعد أن دخل عليها بعض المفردات العبرية والسلافية، وتكتب بحروف عبرية، كان يهود شرق أوربا يتحدثون بها). نقول إن المراجع الصهيونية تشير إلى هاتين الرطانتين بحسبانهما تعبيراً عن الاستقلالية اليهودية. لكن من المعروف أن ظاهرة اللهجة المستقلة ليست مقصورة على اليهود فكثير من أعضاء الأقليات ممن يضطلعون بوظيفة معينة (كالتجارة والربا) يبقون على لغتهم وسيلة للحديث، ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك الأرمن في الدولة العثمانية والصينيون في جنوب شرق آسيا، الذين يضطلعون بوظائف مالية محددة، فهؤلاء يتحدثون لغتهم الأصلية ويحتفظون بتماسكهم، لكن بزوال وظيفتهم يرحلون عن الوطن أو يندمجون فيه، وهذا ما حدث للادينو واليديشية، فالأولى انقرضت تماماً، أما الثانية فقد اصبحت لغة المسنين في بعض بقايا الجيوب اليهودية في شرق أوربا، وهي في طريقها إلى الاختفاء.
ويقوم المؤلفون اليهود بوضع مؤلفاتهم بلغة أوطانهم، وحتى المؤلفات الدينية التي كانت تكتب بالأرامية أو العبرية، فإنها تكتب الآن بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، أو بأية لغة يجيدها المؤلف من أعضاء الجماعات اليهودية، ولم يعد يكتب بالعبرية سوى المؤلفين الإسرائيليين، وإذا تركنا اللغة (هذا الوعاء البالغ الأهمية) نظرنا إلى الأدب والفنور التشكيلية، فسنجد أن التقاليد الأدبية والفنية التي يبدع المؤلفون والفنتانون اليهود من خلالها هي تقاليد بلادهم. ولا يمكن فهم إبداعات هؤلاء الحضارية إلا بالرجوع إلى موروثات بلادهم الحضارية، ولو عاد الباحث إلى مفهوم الهوية اليهودية العامة والعالمية لضل سواء السبيل تماماً. وقل الشيء نفسه عن الأزياء والأطعمة والطرز المعمارية.
وحتى لو كان ثمة خاصية ما تفصل اليهود عن محيطهم الحضاري فإن هذه الخاصية (مثل تكلم يهود شرق أوربا باليديشية بعض الوقت) تظل مقصورة على أقلية يهودية بعينها، ومرتبطة بملابسات تاريخية وأوضاع اجتماعية وفترة زمنية محددة وبالتالي، فهي ليست خاصية يهودية عامة أو عالمية، وإنما هي خاصية تتسم جماعة يهودية ما بها، توجد داخل زمان ومكان محددين، وهي في هذه الحالة الجماعة اليهودية في شرق أوربا من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين. وهي أيضاً خاصية لا تربط بين هذه الجماعة اليهودية وغيرها من الجماعات، بل بالعكس، إنها تزيدها فرقة وتنوعاً، فاليهود خارج هذا الزمان وهذا المكان لا يتحدثون اليديشية، وبعضهم يرفضها، وقد نشب صراع بين دعاة اليديشية من أنصار قومية الدياسبورا ودعاة العبرية من الصهاينة، كما هاجم مثقفو حركة الاستنارة في ألمانيا اليديشية باعتبارها ألمانية مشوهة ولغة الغش التجاري والتخلف الحضاري! وقد اختفت اليديشية، بينما استمر يهود شرق أوربا في الوجود، يتحدثون لغات أوطانهم: الروسية، والبولندية، والأوكرانية، والألماني.
سفارديم واشكناز ويهود العالم الإسلامي
يمكن تصنيف الجماعات اليهودية المتنوعة على عدة أسس، كلها ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية جزئية. وهذا يعود إلى إشكالين أساسيين كامنين في الشرع والموروث الديني اليهوديين: فاليهودي يعرف بأنه من ولد لأم يهودية أو تهود بحسب الشريعة. وهو ما يعني أن هناك أساساً عقائدياً (التهود والإيمان باليهودية) وأساسا عرقياً (الأم يهودية)، أي أن الإنتماء إلى اليهودية يمكن أن يتم على أساس أي من المنطلقين، كما أن اليهودي الملحد يظل يهوديا على الرغم من إلحاده (وهذا أمر ينفرد الشرع اليهودي به دون الإسلام أو المسيحية).
ويمكن تصنيف أعضاء الجماعات اليهودية، على أساس عرقي أو إثنى، إلى مجموعات كبرى ثلاث:
1ـ السفارديم:
هم اليهود الذينكانوا يتحدثون اللادينو، وهم نسل أولئك اليهود الذين عاشوا في شبة جزيرة أيبيريا أصلاً، وحينما طرد أعضاء الجماعة اليهودية منها اتجهوا إلى الدولة العثمانية واليونان وشمال إفريقيا، وكانت قطاعات من يهود المارانو المتخفين (الذين أظهروا الكاثوليكية وأبطنوا اليهودية هرباً من محاكم التفتيش) تلحق بهم وتشهر يهوديتها فتصبح من السفارديم. وكان بين السفارد نخبة تمتلك مهارات إدارية، كما كانت تمتلك رأس مال كبير يؤهلها للاضطلاع بدور التجارة الدولية. وفعلاً كون السفارد شبكة تجارية دولية فقاموا، بالتالي، بدور أساسي في تطوير الرأسمالية الغربية. ولهم طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية، ولذا يمكن الإشارة إلى النهج السفاردي في العبادة، كما أن عبريتهم تختلف عن عبرية الأشكناز، وكان السفارد أكثر اندماجاً في محيطهم الحضاري وأكثر استيعاباً للحضارة العربية ثم الحضارة الغربية. وظهر في صفوفهم الفيلسوف إسبينوزا ورئيس الوزراء دزرائيلي، وثمة عداء متأصل بين السفارد والأشكناز، فالسفارد كانوا أرستقراطية اليهود، وكان استقرار الأشكناز في أماكن تجمعهم يسبب لهم الحرج، وكانوا لا يتعبدون معهم ولا يتزوجون منهم، وكانوا يحاولون الاحتفاظ بمسافة بينهم، وقد انقلب الوضع رأساً على عقب بعد أن تحولوا إلى أقلية وحقق الأشكناز بروزاً في الحضارة الغربية، وبعد إعلان دولة إسرائيل.
2ـ يهود الشرق والعالم الإسلامي:
يشار إلى يهود الشرق والعالم الإسلامي بأنهم "سفارد" أيضاً، وهذه تسمية مغلوطة، ويعود هذا إلى أن كثيراً من يهود العالم الإسلامي يتبع النهج السفاردى في العبادة، لكن هذا لا يجعلهم من السفارد، فتجربتهم الدينية والثقافية والتاريخية مختلفة تماما. وينقسم يهود العالم الإسلامي إلى عدة أقسام، أهمها يهود البلاد العربية أو اليهود المستعربة الذين استوعبوا التراث العربي وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ منه.
غير أن هناك جماعات صغيرة أخرى، مثل اليهود الأكراد وبقايا السامريين ويهود جبال الأطلس من البربر ويهود إيران، وغيرهم. ويتميز كل فريق بأنه مستوعب في إطاره الحضاري للمجتمع الذي يعيش في كنفه فيتحدث لغة، بل أيضاً لهجة المجتمع الذي يعيش فيه، ويتعامل مع العالم من خلال أنساق هذا المجتمع الثقافية والرمزية. وهناك أحياناً سمات دينية فريدة لأعضاء هذه الجماعات الصغيرة، تعزلها عن التيار الرئيسي لليهودية، إذ إن المكون الإنثى كثيراً ما يؤثر في المكون الديني ويغلب عليه.
3ـ الأشكناز:
هم أساساً يهود شرق أوربا (روسيا/ بولندا) الذين يتحدثون اليديشية. ويعود أصلهم إلى ألمانيا (أشكناز بالعبرية) ومع أن أغلبية الأشكناز كانت تتحدث اليديشية، فقد كان الأشكناز يغادرون بولندا إلى بلاد مثل هولندا وإنجلترا ثم الولايات المتحدة، كانت المجتمعات المضيفة (بما في ذلك أعضاء الجماعة اليهودية فيها) تعتبرهم متخلفين، فقد كانوا يعملون كصغار مرابين وباعة متجولين، وكانوا يحضرون معهم بعض الأمراض الاجتماعية، كالغش التجاري والدعارة. وكانوا يظهرون عزوفاً عن الإندماج، ولا سيما أن أزياءهم وطريقة قص شعرهم مختلفة، فكانت تميزهم وتعزلهم عن محيطهم الحضاري الجديد. وصيغ الدين اليهودي التي يعرفونها تختلف عن الصيغ التي يعرفها السفارد.
ولذا، يمكن الحديث أيضاً عن النهج الأشكنازي في العبادة، والمسألة اليهودية كانت أساساً مسألة يهود شرق أوربا من الاشكناز، وقد ظهرت جميع الحركات الفكرية اليهودية الحديثة في صفوفهم أيضاً: حركة الاستنارة اليهودية، اليهودية الإصلاحية، اليهودية المحافظة، قومية الدياسبورا، البوند، وأخيراً الصهيونية التي بدأت كحركة اشكنازية تهدف إلى تأسيس دولة اشكنازية، لكن يهود الشرق والعالم الإسلامي وبقايا السفارد اكتسحوها.
إصلاحيون ومحافظون وأرثوذكس وطوائف وعبادات أخرى
يمكن تقسم يهود العالم من الناحية الدينية إلى قسمين أساسيين:
1ـ يهود إثنيون وهؤلاء فقدوا كل علاقتهم بالعقيدة اليهودية والموروث الديني، وهم يرون أن يهوديتهم تكمن في إثنيتهم، أي في أسلوب حياتهم وموروثهم الثقافي، ويمكن القول بأن أكثر من نصف يهود أمريكا يهود بهذا المعني، أما في الاتحاد السوفيتي (سابقا)، فإن عددهم يزيد عن ذلك كثيراً، ويشار إلى هذا الفريق بأنه اليهود الملحدون أو العلمانيون.
2ـ يهود يؤمنون بصيغة ما من صيغ العقيدة اليهودية، وهؤلاء ينقسمون إلى عدة أقسام:
(أ) اليهودية الأرثوذكسية: هي وارثة اليهودية الحاخامية أو المعيارية أو التلمودية. وهي الصيغة اليهودية التي سادت بين الجماعات اليهودية الأساسية في الغرب منذ العصور الوسطي حتى نهاية القرن التاسع عشر. ويؤمن اليهود الأرثوذكس بأن التوراة مرسلة من الإله، وبأن كل ماجاء فيها ملزم. ولذا، فهم يرون ضرورة أن يلتزم اليهودي بتنفيذ الوصايا والنواهي (المتسفوت)، وضرورة إقامة الشعائر كافة، بما في ذلك شعيرة السبت والطعام الشرعي.
(ب) اليهودية الإصلاحية: هي أول المذاهب اليهودية التي تحدت اليهودية الحاخامية وظهرت في ألمانيا (مهد الإصلاح الديني المسيحي)، وتعد ترجمة لفكر عصر الاستنارة. هي تحاول أن تعبر عن العصر الحديث، فتحكم العقل في كل شيء، وتحاول أن تفصل المكون الديني عن المكون العرقي أو القومي في العقيدة اليهودية بحيث يصبح المكون وحده ملزماًن ويسقط أي تفسير قومي لأفكار مثل "العودة" و"النفي". بحيث تصبح كلها أفكاراً تعبر عن تطلع ديني يتحقق في آخر الأيام، أو بالتدريج عبر التاريخ. وهذا كله يهدف إلى تعميق ولاء اليهودي للوطن الذي يعيش فيه ودمجه في محيطه الحضاري بحيث يتحول إلى مواطن في الشارع ويهودي في منزله. (ومع هذا تم صهينة اليهودية الإصلاحية، شأنها شان معظم التيارات والطوائف اليهودية الأخرى).
(جـ) اليهودية المحافظة: هي مجموعة من التيارات الفكرية تصدر عن الإيمان بأن العقيدة اليهودية تعبير عن روح الشعب اليهودي الثابتة (لا روح العصر المتغيرة)، وبأن هذه العقيدة تطورت عبر التاريخ وأخذت أشكالاً مختلفة، وبأنها من ثم قادرة على التكيف مع اللحظة التاريخية.
فاليهودية ليست مجموعة عقائد ثابتة وإنما هي تراث أخذ في التطور التاريخي الدائم. لكن أي تغيير يدخل على هذه العقائد لابد من أن يكون نابعاً من صميمها معبراً عن روح الشعب اليهودي وهويته. ويمكن القول بان اليهودية المحافظة ترى الدين اليهودي باعتباره، في واقع الأمر، الفلكلور اليهودي، أو الروح القومية اليهودية. وهي في هذا قريبة للغاية من الرؤية الصهيونية لليهودية، على الرغم من أن ما يهيمن على المؤسسة الدينية في إسرائيل هي اليهودية الأرثوذكسية.
ولا تؤمن اليهودية الإصلاحية أو المحافظة بأن الكتاب المقدس مرسل من الإله، وإنما هي مجموعة من الأقوال الحكيمة والأساطير الشعبية التي ألهم الخالق بعض الأنبياء بها لكنه لم يوح إليهم بها، ومن ثم، فمن حق المخلوق أن يتصرف بحسب ما يمليه العقل أو العصر عليه، فيغير ويبدل في الشعائر، بل يسقطها تماماً في بعض الأحيان. ولذا فإن الإصلاحيين والمحافظين لايلتزمون الوصايا (الأوامر والنواهي)، ولا يقيمون شعائر السبت أو الطعام الشرعي إلا على نحو جزئي من قبيل الحفاظ على الفلكلور. وقد أباحت اليهودية الإصلاحية والمحافظة ترسيم النساء حاخامات، كما أباحت الشذوذ الجنسي بين الذكور والإناث، بل ويرسم الآن الشواذ والسحاقيات حاخاميين. والأغلبية الساحقة من يهود العالم الغربي إثنية أو محافظة وإصلاحية، ولا يشكل الأرثوذكس سوى أقلية لا تزيد عن 5%. ويلاحظ إقبال أعضاء الجماعات اليهودية على العبادات الجديدة، مثل البهائية والماسونية وما يسمى ديانات العالم الجديد (الإيمان بأن للهرم شكلاً ذا قوة سحرية خارقة، على سبيل المثال).
أمريكيون وفلاشاه
إلى جانب هذه التقسيمات الأساسية توجد جماعات هامشية لا حصر لها، وقد أشرنا إلى السامريين الذين لا يؤمنون بالتلمود ولا بمعظم كتب العهد القديم، وإنما يؤمنون بأسفار موسى الخمسة أساساً بنسختها المختلفة عن تلك المتداولة بين اليهود كافة ومركزهم هو جبل جرزيم في نابلس، لا جبل صهيون، وهم لا يؤمنون بمجئ الماشيح. وهناك أيضاً القراؤن الذين تمردوا على التلمود (بتأثير الفكر المعتزلى الإسلامي)، وزلزلوا اليهودية الحاخامية من جذورها، لكن لم يبق منهم سوى بضعة آلاف في كاليفورنيا وبعض مناطق روسيا وإسرائيل، وهناك بقايا يهود كايفنج في الصين، يعبدون يهوه الذي يسمونه تيين (السماء) ويتعبدون في معبدين يهوديين، أحدهما لعبادة الإله والآخر لعبادة الأسلاف، وهم لا يعرفون لا التلمود ولا التوراة، وملامحهم صينية تماماً، ويمكن أن نشير إلى يهوديتهم بأنها يهودية كونفوشيوسية (تماما مثلما نجد أن يهودية بني إسرائيل في الهند يهودية هندوكية). وهناك عشرات من الجماعات والطوائف والفرق اليهودية الأخرى الهامشية.
لكن بدلاً من الدخول في تفصيلات لا حصر لها، يمكن أن تقارن بين عينتين إحداهما مركزية وتضم يهود الولايات المتحدة الذين يشكلون أكبر تجمع يهودي في العالم، والأخرى هامشية وتضم الفلاشا الذين يشكلون تجمعاً صغيراً هامشيا منعزلاً.
ينتمي يهود الولايات المتحدة في الدرجة الأولي، إلى الجنس الأبيض، وأغلبيتهم الساحقة من أصل أشكنازى (ألماني أو روسي/ بولند). وتوجد قلة من السفارد، والقرائين، والكرمشاكى (وهم ينتمون إلى جماعة يهودية صغيرة في شبه جزيرة القرم، يتحدث أعضاؤها بالتترية، ويبدو أنهم من بقايا يهود الخزر). وهناك أيضا بعض الأمريكيين السود الذين يدعون "العبرانيين السود" وهؤلاء يؤمنون بعقيدة شبه يهودية تتحدث عن مؤامرة الإنسان الأبيض لفصل آسيا عن أفريقيا عن طريق شق قناة السويس ويدعون أنهم هم العبرانيون الحقيقيون، ومن ثم يرون أنهم هم وحدهم أصحاب الحق في استرداد إسرائيل والإستيطان فيها وحكمها. وتوجد جماعة منهم في شيكاغو هاجر أعداد منها إلى إسرائيل، حيث استقروا في جوار ديمونا وفي أماكن أخرى، وهؤلاء لا تعترف إسرائيل أو المؤسسات الحاخامية بهم، بطبيعة الحال، ولذا فهم يشكلون أقلية منبوذة داخل كل من الدولة الصهيونية والجماعة اليهودية في الولايات المتحدة.
أما الفلاشا، فهم من يهود إثيوبيا، وملامحهم لا تختلف من قريب أو بعيد عن ملامح بعض قبائل أو أقوام إثيوبيا. وإذا كان هناك بينهم من التنويعات، فهي تنويعات تشبه في بعض الوجوه التنويعات الموجودة في مجتمعهم. وهناك جماعة الفلاشا موراه، وهي جماعة مسيحية شبه يهودية منبوذة من الفلاشا كانت قد تنصرت منذ ما يقرب من قرنين من الزمان.
ومن الناحية الدينية، ينقسم يهود الولايات المتحدة إلى قسمين أساسيين: يهود إثنيون لا أدريون ويهود متدينون وهؤلاء ينقسمون بدورهم إلى إصلاحيين ومحافظين وتجديديين وأرثوذكس (ويوجد بعض الفرق الأخرى شبه الدينية من أتباع العبادات الجديدة). واليهود الدينيون في الولايات المتحدة يتعبدون في المعبد اليهودي (السيناجودج)، ويرأسهم حاخام، ولا يقيمون معظم الشعائر ولا يكترثون بالطعام الشرعي أو بشعائر السبت والطهارة والنجاسة.
أما الفلاشا، فهم أساساً خارج نطاق اليهودية الحاخامية، ولا يعرفون التلمود، وتختلف بعض شعائرهم عن شعائر اليهودية الحاخامية، فشعائر الطهارة والنجاسة عندهم مركبة وشاملة، ومع هذا فهم يقيمون شعائرهم كلها (وقد صدموا حينما هاجروا إلى إسرائيل بسبب انصراف أعضاء الدولة اليهودية عن الشعائر اليهودية)، ويرأس يهود الفلاشا قساوسة (يقال لهم قسيم)، وهم يعرفون نظام الرهبنة، إذ فيهم رهبان وراهبات، ويصلون في معبد يهودي يسمى المسجد، ويخلعون نعالهم قبل دخوله!
ومن ناحية اللغة فإن يهود الولايات المتحدة يتحدثون الإنجليزية، ويعرف بعض علمائهم العبرية والأرامية، كما توجد العبرية في بعض كتب الصلوات، أما يهود الفلاشا، فهم يتحدثون الأمهرية (ويتحدث بعضهم بالتيجرينية). ويتعبدون بالجعيزية، لغة الكنيسة القبطية الإثيوبية، ويضم كتابهم المقدس بعض نصوص العهد الجديد.
ولكل جماعة يهودية خطابها الحضاري وفلكلورها الذي ينبع من محيطها الحضاري، ففي حالة يهود أمريكا، ينبع خطابهم الحضاري من محيطهم الحضاري الحالي (الأمريكي)، أو من محيطهم الحضاري السابق (روسياـ بولنداـ ألمانياـ إنجلترا)، أما في حالة يهود الفلاشا، فهو ينبع كله من محيطهم الحضاري الإثيوبي الإفريقي. وفي حين أن اليهودي الأمريكي يرتدي البنطلون "الجينز" ويأكل "الهامبورجر" ويرقص الديسكو ويعيش في منزل عصري. وقد يطعم حديثه ببعض اللكمات اليديشية، ويتحدث بعض الحسيديين منهم اليديشية كما يحتفظ بعضهم بالأزياء التي كانوا يرتدونها في شرق أوربا، فإن يهودي الفلاشا يرتدي شالاً لا يختلف عما يرتديه من حوله من أبناء إثيوبيا، وهو يأكل طعامهم، ويرقص الرقصات المعروفة في منطقته، ويعيش في كوخ مغطي بالحطب لا يختلف من قريب أو بعيد عن الأكواخ المجاورة، والوضع الاجتماعي ليهود أمريكا (نسبة الطلاق ـ الوظائف ـ المهن) ورؤيتهم للكون لا تختلف عن وضع الإنسان الأمريكي ورؤيته للكون. اللذين يختلفان بشكل جوهري عن وضع الفلاشا ورؤيتهم. ولهذا كله، فبينما كانت الدولة الصهيونية تتلهف لهجرة يهود الولايات المتحدة إليها، فإنها كانت ترفض هجرة الفلاشا حتى سنة 1973. ولئن كانت الدولة الصهيونية تشجع هجرتهم الآن، فليس ذلك بسبب أي تغيير طرأ على هويتهم وإنما بسبب تغييرات طرأت على سياسة الدولة الصهيونية، بل أيضاً على هويتها، ومدي حاجتها إلى العنصر البشري. بل إن الدولة الصهيونية بدأت ترحب بالفلاشا موراه، مع أن هؤلاء لا يمكن اعتبارهم يهوداً مهما يتم من تطويع للكمات قسراً.
جماعات يهودية
يمكن القول: إن الاختلافات بين يهود الولايات المتحدة ويهود الفلاشا هي حقاً اختلافات جذرية في جميع المجالات. لكن قد يقال إن مثل هذه الاختلافات العميقة موجودة عادة بين المركز والأطراف في أي تشكيل حضاري أو نسق ديني، فالجماعات المسيحية المتطرفة (المورمون مثلاً) مختلفة جوهرياً عن الأشكال المركزية المسيحية، والقول نفسه ينطبق على الإسلام، وفي هذا بعض الصدق. بيد أن وضع اليهود واليهودية يظل فريداً إلى حد كبير، فالمركز في اليهودية اختفي منذ أمد طويل، الأمر الذي سمح بتطور الأطراف على نحو مستقل تماماً عن المركز، أي مركز، وأصبح للأطراف شرعية لا تقل شرعية عما يسمي التيار الأساسي في اليهودية. وحتى قبل أن يختفي المركز، كان النسق الديني اليهودي يحوي تناقضات عميقة كثيرة، وعدد كبير من المفاهيم الدينية لم يستقر، فالسنهدرين (أعلى سلطة دينية يهودية في القرن الأول الميلادي وهي التي قامت بمحاكمة السيد المسيح) كان يضم الصدوقيين الذين كانوا يؤمنون بيهودية وثنية هرمية صارمة لا بعث فيها ولا إيمان، وإنما عقيدة جافة جامدة تدور حول القرابين والشعائر المنضبطة والمرتبطة بالأرض تماماً. لكن السنهدرين كان في الوقت ذاته يضم الفريسيين الذين كانوا يؤمنون بالبعث وبضرورة الإيمان باليوم الآخر (وكانوا يقومون بالتبشير باليهودية، وهو الأمر الذي لا تعرفه اليهودية). وعلى الرغم من الاختلافات العميقة، كان الصدوقيون والفريسيون يجلسون جنباً إلى جنب في السنهدرين، ويمارسون نشاطهم الديني، ولا يمكن تفسير هذا الوضع إلا بعدم تبلور النسق الديني اليهودي قبل تحطيم الهيكل وسقوط المركز، يضاف إلى هذا ما يمكن تسميته التعريف الثنائي لليهودي على أساس عقدي وعلى أساس عرقي الذي أسلفنا الإشارة إليه. ذلك كله سمح بظهور ما يمكن تسميته الخاصية الجيولوجية لكل من العقيدة اليهودية والهوية اليهودية (أو العقائد والهويات اليهودية إن أردنا توخي الدقة) وهي هذه العقائد والهويات تأخذ شكل تركيب جيولوجي مكون من طبقات مختلفة، مستقلة ومتراكمة أو متجاورة، لكنها غير ملتحمة أو متفاعلة، كما أنها لا تخضع لأية معيارية مركزية. ومع هذا، فإن هذه العقائد كافة سميت "يهودية" وسمي كل هؤلاء "يهوداً"، وهو أمر كان مقبولاً أو يمكن تجاهله من قبل. لكن مع ظهور الدولة الصهيونية وبداية المواجهة بين هذه العقائد وتلك الهويات، تفجر السؤال الذي لا يزال يبحث عن إجابة. من هو اليهودي؟
لهذا كله، نجد أن مصطلح "يهودي" مصطلح عام ومقدرته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة إن لم تكن منعدمة بسبب عموميته وإطلاقه، ولذا فإننا نفضل استخدام مصطلح "جماعات يهودية"، ونحرص على استخدامه قدر استطاعتنا (إلا إذا تطلب السياق غير ذلك)، فهو مصطلح يصنف هذه الجماعات اليهودية بحسبانها "يهودية"، لكنه يؤكد في الوقت نفسه عدم تجانسها باستخدام كلمة "جماعات".
يتصور كثير من الدارسين أن كلمة (يهودى) دال له مدلول واضح ومحدد يشبه في وضوحه وتحدده دالاً مثل "ألماني". فالألماني هو فرد ينتمي إلى الفرع النوردى من الجنس الأبيض من الناحية العرقية، وإلى الحضارة الغربية من الناحية الحضارية العامة، وإلى الثقافة الجرمانية من الناحية الإثنية. وهو يتحدث الألمانية، وينتمي إلى الشعب الألماني. والعناصر المشتركة بين أفراد هذا الشعب كثيرة ومهمة، ولذا فهي ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية تفوق بمراحل العناصر غير المشتركة بينهم (تعدد اللهجات ـ تنوع الألوان المحلية ـ انقسامهم إلى طبقات).
ولذا يتحدث كثير من الدارسين عن اليهود وكأنهم كتلة واحدة متماسكة ومتجانسة فعلاً، ويتم التعبير عن هذا بكلمات مثل كلمة "جوري Jewry" الإنجليزية التي تعني "اليهود باعتبارهم كلاً متماسكاً"، ويصبح افتراض الوحدة والتماسك والتجانس أكثر وضوحاً حينما يتحدث الباحث عن اليهود باعتبارهم "الشعب اليهودي" و "الأمة اليهودية" وهو ما يعني أن اليهود ينتمون إلى تشكيل حضاري واحد، وأن لهم تاريخاً واحداً، ومصيراً واحداً، ومستقبلاً واحداً، وربما عرقاً واحداً وانتماءً، ثقافياً واحداً، وأن مصالحهم واحدة وتطلعاتهم واحدة، وأن العناصر المشتركة بين يهود العالم أكثر أهمية من العناصر غير المشتركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان ثمة عناصر مشتركة بين يهود العالم، فما هي؟ وهل هذه العناصر المشتركة أكثر تفسيرية وأهمية من العناصر غير المشتركة؟
التاريخ اليهودي
لنأخذ، على سبيل المثال، فكرة "التاريخ اليهودي" الذي هو مصطلح يفترض وجود تاريخ يهودي مستقل عن تواريخ جميع الشعوب والأمم، وهو مفهوم تتفرع عنه وتستند إليه مفاهيم الاستقلال اليهودي الأخرى. ومفهوم التاريخ اليهودي يفترض أن لهذا التاريخ مراحله التاريخية وفتراته المستقلة ومعدل تطوره الخاص، بل أيضاً وقوانينه الخاصة، وهو تاريخ يضم اليهود وحدهم، يتفاعلون داخله مع عدة عناصر مقصورة عليهم، من أهمها دينهم وبعض الأشكال الاجتماعية الفريدة. واستقلالية أي بناء تاريخي تعني استقلالية بناه الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك استقلالية البني الحضارية والرمزية المرتبطة به، وتجانسها النسبي في كل مرحلة من مراحله. كما أن هذا البناء يضم جماعة من الناس لا وجود لها خارجه، ولا يمكن فهم سلوكها إلا في إطار تفاعلها معه. ولكن من الثابت تاريخيا أن الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم كانت تتسم بعدم التجانس وعدم الترابط وبأن أعضاءها كانوا يوجدون في مجتمعات مختلفة تسودها أنماط إنتاجية وأبنية حضارية اختلفت باختلاف الزمان والمكان. فيهود اليمن، في القرن التاسع عشر، كانوا يعيشون في مجتمع صحراوي قبلي عربي. أما يهود هولندا فكانوا في الفترة ذاتها يعيشون في مجتمع حضري رأسمالي غربي. ولكل هذا نجد أن سلوك اليهودي اليمني ورؤيته للكون تحكمها إلى حد كبير عناصر البناء التاريخي العربي الذي يعيش فيه، تماماً كما تحكم سلوك يهود هولندا ورؤيتهم مكونات البناء التاريخي الغربي الهولندي.
والآن، إذا افترضنا جدلاً وجود تاريخ يهودي، فما هي أحداث هذا التاريخ؟ هل الثورة الصناعية، على سبيل المثال، ضمن أحداث هذا التاريخ، أم أنها حدث ينتمي إلى التاريخ الغربي؟ في الواقع سنكتشف أن الثورة الصناعية حدث ضخم في التاريخ الغربي، ترك أعمق الأثر في يهود العالم الغربي، وأحدث انقلاباً في طرق حياتهم ورؤيتهم للكون في القرن التاسع عشر، أي بعد حدوث الانقلاب بفترة وجيزة، لكن هذا الانقلاب لم يحدث لهم باعتبارهم يهودا وإنما بأعتبارهم أقلية توجد داخل التشكيل الحضاري الغربي، إذ إننا سنجد أن هذا الانقلاب في طرق الحياة والرؤية للعالم قد حدث أيضاً لأعضاء الأغلبية ولأعضاء الأقليات الأخرى الموجودة داخل المجتمعات الغربية. وفي الوقت نفسه، لم يتأثر يهود العالم العربي بالثورة الصناعية بالدرجة نفسها، ذلك لأن التشكيل الحضاري العربي كان بمنأى عن هذه الثورة الصناعية في بداية الأمر، لكن بعد نحو قرن من الزمان، بدأ هذا التشكيل يتأثر بالثورة الصناعية، وبالتال بدأ أثرها يمتد إلى معظم المجتمعات العربية بأغلبياتها وأقلياتها، أما يهود إثيوبيا فلم يتاثروا إلا بشكل سطحي، لأن المناطق التي يعيشون فيها ظلت بمنأى عن هذه التحولات الكبرى، وبقيت ذات طابع قبلي حتى الوقت الحاضر. لذا يمكن القول بأن معدل تأثر اليهود بالثورة الصناعية مسألة مرتبطة بكونهم أعضاء في مجتمع ما. فإذا تأثر هذا المجتمع بالثورة الصناعية فإن أعضاء الجماعات اليهودية يتأثرون بها بالمقدار ذاته، وإذا فالإطار المرجعي للدراسة لا يمكن أن يكون التاريخ اليهودي. ولو جعل الباحث هذا التاريخ مرجعيته لعجز عن تفسير كثير من عناصر عدم التجانس والتفاوت في هذا التاريخ، ولاضطر إلى لي عنق الحقائق ليفسر سبب تأثر يهود لندن بالثورة الصناعية فور حدوثها ولم يتأثر بها بعض يهود إثيوبياً حتى الآن!
هوية يهودية وموروث يهودي
إذا كان من الصعب قبول مقولة "التاريخ اليهودي" فإنه يصبح من الصعب بالتالي الحديث عن "الهوية اليهودية" أو عن "الشخصية اليهودية"، إذ أن من الواضح أن أعضاء الجماعات اليهودية هم جزء لا يتجزأ من التشكيلات الحضارية التي يعيشون في كنفها، بتفاعلون معها تأثيراً وتأثراً، شأنهم في هذا شأن أعضاء الأغلبيات والأقليات.
لنأخذ على سبيل المثال الموروث الثقافي لأعضاء الجماعات اليهودية، إننا سنلاحظ مثلاً أن اللغات التي يتحدثون بها تختلف باختلاف المجتمع الذي ينتمون إليه، فهم يتحدثون الإنجليزية في البلاد التي تتحدث بها، والفرنسية في فرنسا، والجورجية في جورجيا.
وتشير المراجع الصهيونية إلى اللادينو (وهي رطانة إسبانية كان السفارديم يتحدثون بها)، واليديشية (وهي ألمانية العصور الوسطي بعد أن دخل عليها بعض المفردات العبرية والسلافية، وتكتب بحروف عبرية، كان يهود شرق أوربا يتحدثون بها). نقول إن المراجع الصهيونية تشير إلى هاتين الرطانتين بحسبانهما تعبيراً عن الاستقلالية اليهودية. لكن من المعروف أن ظاهرة اللهجة المستقلة ليست مقصورة على اليهود فكثير من أعضاء الأقليات ممن يضطلعون بوظيفة معينة (كالتجارة والربا) يبقون على لغتهم وسيلة للحديث، ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك الأرمن في الدولة العثمانية والصينيون في جنوب شرق آسيا، الذين يضطلعون بوظائف مالية محددة، فهؤلاء يتحدثون لغتهم الأصلية ويحتفظون بتماسكهم، لكن بزوال وظيفتهم يرحلون عن الوطن أو يندمجون فيه، وهذا ما حدث للادينو واليديشية، فالأولى انقرضت تماماً، أما الثانية فقد اصبحت لغة المسنين في بعض بقايا الجيوب اليهودية في شرق أوربا، وهي في طريقها إلى الاختفاء.
ويقوم المؤلفون اليهود بوضع مؤلفاتهم بلغة أوطانهم، وحتى المؤلفات الدينية التي كانت تكتب بالأرامية أو العبرية، فإنها تكتب الآن بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، أو بأية لغة يجيدها المؤلف من أعضاء الجماعات اليهودية، ولم يعد يكتب بالعبرية سوى المؤلفين الإسرائيليين، وإذا تركنا اللغة (هذا الوعاء البالغ الأهمية) نظرنا إلى الأدب والفنور التشكيلية، فسنجد أن التقاليد الأدبية والفنية التي يبدع المؤلفون والفنتانون اليهود من خلالها هي تقاليد بلادهم. ولا يمكن فهم إبداعات هؤلاء الحضارية إلا بالرجوع إلى موروثات بلادهم الحضارية، ولو عاد الباحث إلى مفهوم الهوية اليهودية العامة والعالمية لضل سواء السبيل تماماً. وقل الشيء نفسه عن الأزياء والأطعمة والطرز المعمارية.
وحتى لو كان ثمة خاصية ما تفصل اليهود عن محيطهم الحضاري فإن هذه الخاصية (مثل تكلم يهود شرق أوربا باليديشية بعض الوقت) تظل مقصورة على أقلية يهودية بعينها، ومرتبطة بملابسات تاريخية وأوضاع اجتماعية وفترة زمنية محددة وبالتالي، فهي ليست خاصية يهودية عامة أو عالمية، وإنما هي خاصية تتسم جماعة يهودية ما بها، توجد داخل زمان ومكان محددين، وهي في هذه الحالة الجماعة اليهودية في شرق أوربا من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين. وهي أيضاً خاصية لا تربط بين هذه الجماعة اليهودية وغيرها من الجماعات، بل بالعكس، إنها تزيدها فرقة وتنوعاً، فاليهود خارج هذا الزمان وهذا المكان لا يتحدثون اليديشية، وبعضهم يرفضها، وقد نشب صراع بين دعاة اليديشية من أنصار قومية الدياسبورا ودعاة العبرية من الصهاينة، كما هاجم مثقفو حركة الاستنارة في ألمانيا اليديشية باعتبارها ألمانية مشوهة ولغة الغش التجاري والتخلف الحضاري! وقد اختفت اليديشية، بينما استمر يهود شرق أوربا في الوجود، يتحدثون لغات أوطانهم: الروسية، والبولندية، والأوكرانية، والألماني.
سفارديم واشكناز ويهود العالم الإسلامي
يمكن تصنيف الجماعات اليهودية المتنوعة على عدة أسس، كلها ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية جزئية. وهذا يعود إلى إشكالين أساسيين كامنين في الشرع والموروث الديني اليهوديين: فاليهودي يعرف بأنه من ولد لأم يهودية أو تهود بحسب الشريعة. وهو ما يعني أن هناك أساساً عقائدياً (التهود والإيمان باليهودية) وأساسا عرقياً (الأم يهودية)، أي أن الإنتماء إلى اليهودية يمكن أن يتم على أساس أي من المنطلقين، كما أن اليهودي الملحد يظل يهوديا على الرغم من إلحاده (وهذا أمر ينفرد الشرع اليهودي به دون الإسلام أو المسيحية).
ويمكن تصنيف أعضاء الجماعات اليهودية، على أساس عرقي أو إثنى، إلى مجموعات كبرى ثلاث:
1ـ السفارديم:
هم اليهود الذينكانوا يتحدثون اللادينو، وهم نسل أولئك اليهود الذين عاشوا في شبة جزيرة أيبيريا أصلاً، وحينما طرد أعضاء الجماعة اليهودية منها اتجهوا إلى الدولة العثمانية واليونان وشمال إفريقيا، وكانت قطاعات من يهود المارانو المتخفين (الذين أظهروا الكاثوليكية وأبطنوا اليهودية هرباً من محاكم التفتيش) تلحق بهم وتشهر يهوديتها فتصبح من السفارديم. وكان بين السفارد نخبة تمتلك مهارات إدارية، كما كانت تمتلك رأس مال كبير يؤهلها للاضطلاع بدور التجارة الدولية. وفعلاً كون السفارد شبكة تجارية دولية فقاموا، بالتالي، بدور أساسي في تطوير الرأسمالية الغربية. ولهم طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية، ولذا يمكن الإشارة إلى النهج السفاردي في العبادة، كما أن عبريتهم تختلف عن عبرية الأشكناز، وكان السفارد أكثر اندماجاً في محيطهم الحضاري وأكثر استيعاباً للحضارة العربية ثم الحضارة الغربية. وظهر في صفوفهم الفيلسوف إسبينوزا ورئيس الوزراء دزرائيلي، وثمة عداء متأصل بين السفارد والأشكناز، فالسفارد كانوا أرستقراطية اليهود، وكان استقرار الأشكناز في أماكن تجمعهم يسبب لهم الحرج، وكانوا لا يتعبدون معهم ولا يتزوجون منهم، وكانوا يحاولون الاحتفاظ بمسافة بينهم، وقد انقلب الوضع رأساً على عقب بعد أن تحولوا إلى أقلية وحقق الأشكناز بروزاً في الحضارة الغربية، وبعد إعلان دولة إسرائيل.
2ـ يهود الشرق والعالم الإسلامي:
يشار إلى يهود الشرق والعالم الإسلامي بأنهم "سفارد" أيضاً، وهذه تسمية مغلوطة، ويعود هذا إلى أن كثيراً من يهود العالم الإسلامي يتبع النهج السفاردى في العبادة، لكن هذا لا يجعلهم من السفارد، فتجربتهم الدينية والثقافية والتاريخية مختلفة تماما. وينقسم يهود العالم الإسلامي إلى عدة أقسام، أهمها يهود البلاد العربية أو اليهود المستعربة الذين استوعبوا التراث العربي وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ منه.
غير أن هناك جماعات صغيرة أخرى، مثل اليهود الأكراد وبقايا السامريين ويهود جبال الأطلس من البربر ويهود إيران، وغيرهم. ويتميز كل فريق بأنه مستوعب في إطاره الحضاري للمجتمع الذي يعيش في كنفه فيتحدث لغة، بل أيضاً لهجة المجتمع الذي يعيش فيه، ويتعامل مع العالم من خلال أنساق هذا المجتمع الثقافية والرمزية. وهناك أحياناً سمات دينية فريدة لأعضاء هذه الجماعات الصغيرة، تعزلها عن التيار الرئيسي لليهودية، إذ إن المكون الإنثى كثيراً ما يؤثر في المكون الديني ويغلب عليه.
3ـ الأشكناز:
هم أساساً يهود شرق أوربا (روسيا/ بولندا) الذين يتحدثون اليديشية. ويعود أصلهم إلى ألمانيا (أشكناز بالعبرية) ومع أن أغلبية الأشكناز كانت تتحدث اليديشية، فقد كان الأشكناز يغادرون بولندا إلى بلاد مثل هولندا وإنجلترا ثم الولايات المتحدة، كانت المجتمعات المضيفة (بما في ذلك أعضاء الجماعة اليهودية فيها) تعتبرهم متخلفين، فقد كانوا يعملون كصغار مرابين وباعة متجولين، وكانوا يحضرون معهم بعض الأمراض الاجتماعية، كالغش التجاري والدعارة. وكانوا يظهرون عزوفاً عن الإندماج، ولا سيما أن أزياءهم وطريقة قص شعرهم مختلفة، فكانت تميزهم وتعزلهم عن محيطهم الحضاري الجديد. وصيغ الدين اليهودي التي يعرفونها تختلف عن الصيغ التي يعرفها السفارد.
ولذا، يمكن الحديث أيضاً عن النهج الأشكنازي في العبادة، والمسألة اليهودية كانت أساساً مسألة يهود شرق أوربا من الاشكناز، وقد ظهرت جميع الحركات الفكرية اليهودية الحديثة في صفوفهم أيضاً: حركة الاستنارة اليهودية، اليهودية الإصلاحية، اليهودية المحافظة، قومية الدياسبورا، البوند، وأخيراً الصهيونية التي بدأت كحركة اشكنازية تهدف إلى تأسيس دولة اشكنازية، لكن يهود الشرق والعالم الإسلامي وبقايا السفارد اكتسحوها.
إصلاحيون ومحافظون وأرثوذكس وطوائف وعبادات أخرى
يمكن تقسم يهود العالم من الناحية الدينية إلى قسمين أساسيين:
1ـ يهود إثنيون وهؤلاء فقدوا كل علاقتهم بالعقيدة اليهودية والموروث الديني، وهم يرون أن يهوديتهم تكمن في إثنيتهم، أي في أسلوب حياتهم وموروثهم الثقافي، ويمكن القول بأن أكثر من نصف يهود أمريكا يهود بهذا المعني، أما في الاتحاد السوفيتي (سابقا)، فإن عددهم يزيد عن ذلك كثيراً، ويشار إلى هذا الفريق بأنه اليهود الملحدون أو العلمانيون.
2ـ يهود يؤمنون بصيغة ما من صيغ العقيدة اليهودية، وهؤلاء ينقسمون إلى عدة أقسام:
(أ) اليهودية الأرثوذكسية: هي وارثة اليهودية الحاخامية أو المعيارية أو التلمودية. وهي الصيغة اليهودية التي سادت بين الجماعات اليهودية الأساسية في الغرب منذ العصور الوسطي حتى نهاية القرن التاسع عشر. ويؤمن اليهود الأرثوذكس بأن التوراة مرسلة من الإله، وبأن كل ماجاء فيها ملزم. ولذا، فهم يرون ضرورة أن يلتزم اليهودي بتنفيذ الوصايا والنواهي (المتسفوت)، وضرورة إقامة الشعائر كافة، بما في ذلك شعيرة السبت والطعام الشرعي.
(ب) اليهودية الإصلاحية: هي أول المذاهب اليهودية التي تحدت اليهودية الحاخامية وظهرت في ألمانيا (مهد الإصلاح الديني المسيحي)، وتعد ترجمة لفكر عصر الاستنارة. هي تحاول أن تعبر عن العصر الحديث، فتحكم العقل في كل شيء، وتحاول أن تفصل المكون الديني عن المكون العرقي أو القومي في العقيدة اليهودية بحيث يصبح المكون وحده ملزماًن ويسقط أي تفسير قومي لأفكار مثل "العودة" و"النفي". بحيث تصبح كلها أفكاراً تعبر عن تطلع ديني يتحقق في آخر الأيام، أو بالتدريج عبر التاريخ. وهذا كله يهدف إلى تعميق ولاء اليهودي للوطن الذي يعيش فيه ودمجه في محيطه الحضاري بحيث يتحول إلى مواطن في الشارع ويهودي في منزله. (ومع هذا تم صهينة اليهودية الإصلاحية، شأنها شان معظم التيارات والطوائف اليهودية الأخرى).
(جـ) اليهودية المحافظة: هي مجموعة من التيارات الفكرية تصدر عن الإيمان بأن العقيدة اليهودية تعبير عن روح الشعب اليهودي الثابتة (لا روح العصر المتغيرة)، وبأن هذه العقيدة تطورت عبر التاريخ وأخذت أشكالاً مختلفة، وبأنها من ثم قادرة على التكيف مع اللحظة التاريخية.
فاليهودية ليست مجموعة عقائد ثابتة وإنما هي تراث أخذ في التطور التاريخي الدائم. لكن أي تغيير يدخل على هذه العقائد لابد من أن يكون نابعاً من صميمها معبراً عن روح الشعب اليهودي وهويته. ويمكن القول بان اليهودية المحافظة ترى الدين اليهودي باعتباره، في واقع الأمر، الفلكلور اليهودي، أو الروح القومية اليهودية. وهي في هذا قريبة للغاية من الرؤية الصهيونية لليهودية، على الرغم من أن ما يهيمن على المؤسسة الدينية في إسرائيل هي اليهودية الأرثوذكسية.
ولا تؤمن اليهودية الإصلاحية أو المحافظة بأن الكتاب المقدس مرسل من الإله، وإنما هي مجموعة من الأقوال الحكيمة والأساطير الشعبية التي ألهم الخالق بعض الأنبياء بها لكنه لم يوح إليهم بها، ومن ثم، فمن حق المخلوق أن يتصرف بحسب ما يمليه العقل أو العصر عليه، فيغير ويبدل في الشعائر، بل يسقطها تماماً في بعض الأحيان. ولذا فإن الإصلاحيين والمحافظين لايلتزمون الوصايا (الأوامر والنواهي)، ولا يقيمون شعائر السبت أو الطعام الشرعي إلا على نحو جزئي من قبيل الحفاظ على الفلكلور. وقد أباحت اليهودية الإصلاحية والمحافظة ترسيم النساء حاخامات، كما أباحت الشذوذ الجنسي بين الذكور والإناث، بل ويرسم الآن الشواذ والسحاقيات حاخاميين. والأغلبية الساحقة من يهود العالم الغربي إثنية أو محافظة وإصلاحية، ولا يشكل الأرثوذكس سوى أقلية لا تزيد عن 5%. ويلاحظ إقبال أعضاء الجماعات اليهودية على العبادات الجديدة، مثل البهائية والماسونية وما يسمى ديانات العالم الجديد (الإيمان بأن للهرم شكلاً ذا قوة سحرية خارقة، على سبيل المثال).
أمريكيون وفلاشاه
إلى جانب هذه التقسيمات الأساسية توجد جماعات هامشية لا حصر لها، وقد أشرنا إلى السامريين الذين لا يؤمنون بالتلمود ولا بمعظم كتب العهد القديم، وإنما يؤمنون بأسفار موسى الخمسة أساساً بنسختها المختلفة عن تلك المتداولة بين اليهود كافة ومركزهم هو جبل جرزيم في نابلس، لا جبل صهيون، وهم لا يؤمنون بمجئ الماشيح. وهناك أيضاً القراؤن الذين تمردوا على التلمود (بتأثير الفكر المعتزلى الإسلامي)، وزلزلوا اليهودية الحاخامية من جذورها، لكن لم يبق منهم سوى بضعة آلاف في كاليفورنيا وبعض مناطق روسيا وإسرائيل، وهناك بقايا يهود كايفنج في الصين، يعبدون يهوه الذي يسمونه تيين (السماء) ويتعبدون في معبدين يهوديين، أحدهما لعبادة الإله والآخر لعبادة الأسلاف، وهم لا يعرفون لا التلمود ولا التوراة، وملامحهم صينية تماماً، ويمكن أن نشير إلى يهوديتهم بأنها يهودية كونفوشيوس
يتصور كثير من الدارسين أن كلمة (يهودى) دال له مدلول واضح ومحدد يشبه في وضوحه وتحدده دالاً مثل "ألماني". فالألماني هو فرد ينتمي إلى الفرع النوردى من الجنس الأبيض من الناحية العرقية، وإلى الحضارة الغربية من الناحية الحضارية العامة، وإلى الثقافة الجرمانية من الناحية الإثنية. وهو يتحدث الألمانية، وينتمي إلى الشعب الألماني. والعناصر المشتركة بين أفراد هذا الشعب كثيرة ومهمة، ولذا فهي ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية تفوق بمراحل العناصر غير المشتركة بينهم (تعدد اللهجات ـ تنوع الألوان المحلية ـ انقسامهم إلى طبقات).
ولذا يتحدث كثير من الدارسين عن اليهود وكأنهم كتلة واحدة متماسكة ومتجانسة فعلاً، ويتم التعبير عن هذا بكلمات مثل كلمة "جوري Jewry" الإنجليزية التي تعني "اليهود باعتبارهم كلاً متماسكاً"، ويصبح افتراض الوحدة والتماسك والتجانس أكثر وضوحاً حينما يتحدث الباحث عن اليهود باعتبارهم "الشعب اليهودي" و "الأمة اليهودية" وهو ما يعني أن اليهود ينتمون إلى تشكيل حضاري واحد، وأن لهم تاريخاً واحداً، ومصيراً واحداً، ومستقبلاً واحداً، وربما عرقاً واحداً وانتماءً، ثقافياً واحداً، وأن مصالحهم واحدة وتطلعاتهم واحدة، وأن العناصر المشتركة بين يهود العالم أكثر أهمية من العناصر غير المشتركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان ثمة عناصر مشتركة بين يهود العالم، فما هي؟ وهل هذه العناصر المشتركة أكثر تفسيرية وأهمية من العناصر غير المشتركة؟
التاريخ اليهودي
لنأخذ، على سبيل المثال، فكرة "التاريخ اليهودي" الذي هو مصطلح يفترض وجود تاريخ يهودي مستقل عن تواريخ جميع الشعوب والأمم، وهو مفهوم تتفرع عنه وتستند إليه مفاهيم الاستقلال اليهودي الأخرى. ومفهوم التاريخ اليهودي يفترض أن لهذا التاريخ مراحله التاريخية وفتراته المستقلة ومعدل تطوره الخاص، بل أيضاً وقوانينه الخاصة، وهو تاريخ يضم اليهود وحدهم، يتفاعلون داخله مع عدة عناصر مقصورة عليهم، من أهمها دينهم وبعض الأشكال الاجتماعية الفريدة. واستقلالية أي بناء تاريخي تعني استقلالية بناه الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك استقلالية البني الحضارية والرمزية المرتبطة به، وتجانسها النسبي في كل مرحلة من مراحله. كما أن هذا البناء يضم جماعة من الناس لا وجود لها خارجه، ولا يمكن فهم سلوكها إلا في إطار تفاعلها معه. ولكن من الثابت تاريخيا أن الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم كانت تتسم بعدم التجانس وعدم الترابط وبأن أعضاءها كانوا يوجدون في مجتمعات مختلفة تسودها أنماط إنتاجية وأبنية حضارية اختلفت باختلاف الزمان والمكان. فيهود اليمن، في القرن التاسع عشر، كانوا يعيشون في مجتمع صحراوي قبلي عربي. أما يهود هولندا فكانوا في الفترة ذاتها يعيشون في مجتمع حضري رأسمالي غربي. ولكل هذا نجد أن سلوك اليهودي اليمني ورؤيته للكون تحكمها إلى حد كبير عناصر البناء التاريخي العربي الذي يعيش فيه، تماماً كما تحكم سلوك يهود هولندا ورؤيتهم مكونات البناء التاريخي الغربي الهولندي.
والآن، إذا افترضنا جدلاً وجود تاريخ يهودي، فما هي أحداث هذا التاريخ؟ هل الثورة الصناعية، على سبيل المثال، ضمن أحداث هذا التاريخ، أم أنها حدث ينتمي إلى التاريخ الغربي؟ في الواقع سنكتشف أن الثورة الصناعية حدث ضخم في التاريخ الغربي، ترك أعمق الأثر في يهود العالم الغربي، وأحدث انقلاباً في طرق حياتهم ورؤيتهم للكون في القرن التاسع عشر، أي بعد حدوث الانقلاب بفترة وجيزة، لكن هذا الانقلاب لم يحدث لهم باعتبارهم يهودا وإنما بأعتبارهم أقلية توجد داخل التشكيل الحضاري الغربي، إذ إننا سنجد أن هذا الانقلاب في طرق الحياة والرؤية للعالم قد حدث أيضاً لأعضاء الأغلبية ولأعضاء الأقليات الأخرى الموجودة داخل المجتمعات الغربية. وفي الوقت نفسه، لم يتأثر يهود العالم العربي بالثورة الصناعية بالدرجة نفسها، ذلك لأن التشكيل الحضاري العربي كان بمنأى عن هذه الثورة الصناعية في بداية الأمر، لكن بعد نحو قرن من الزمان، بدأ هذا التشكيل يتأثر بالثورة الصناعية، وبالتال بدأ أثرها يمتد إلى معظم المجتمعات العربية بأغلبياتها وأقلياتها، أما يهود إثيوبيا فلم يتاثروا إلا بشكل سطحي، لأن المناطق التي يعيشون فيها ظلت بمنأى عن هذه التحولات الكبرى، وبقيت ذات طابع قبلي حتى الوقت الحاضر. لذا يمكن القول بأن معدل تأثر اليهود بالثورة الصناعية مسألة مرتبطة بكونهم أعضاء في مجتمع ما. فإذا تأثر هذا المجتمع بالثورة الصناعية فإن أعضاء الجماعات اليهودية يتأثرون بها بالمقدار ذاته، وإذا فالإطار المرجعي للدراسة لا يمكن أن يكون التاريخ اليهودي. ولو جعل الباحث هذا التاريخ مرجعيته لعجز عن تفسير كثير من عناصر عدم التجانس والتفاوت في هذا التاريخ، ولاضطر إلى لي عنق الحقائق ليفسر سبب تأثر يهود لندن بالثورة الصناعية فور حدوثها ولم يتأثر بها بعض يهود إثيوبياً حتى الآن!
هوية يهودية وموروث يهودي
إذا كان من الصعب قبول مقولة "التاريخ اليهودي" فإنه يصبح من الصعب بالتالي الحديث عن "الهوية اليهودية" أو عن "الشخصية اليهودية"، إذ أن من الواضح أن أعضاء الجماعات اليهودية هم جزء لا يتجزأ من التشكيلات الحضارية التي يعيشون في كنفها، بتفاعلون معها تأثيراً وتأثراً، شأنهم في هذا شأن أعضاء الأغلبيات والأقليات.
لنأخذ على سبيل المثال الموروث الثقافي لأعضاء الجماعات اليهودية، إننا سنلاحظ مثلاً أن اللغات التي يتحدثون بها تختلف باختلاف المجتمع الذي ينتمون إليه، فهم يتحدثون الإنجليزية في البلاد التي تتحدث بها، والفرنسية في فرنسا، والجورجية في جورجيا.
وتشير المراجع الصهيونية إلى اللادينو (وهي رطانة إسبانية كان السفارديم يتحدثون بها)، واليديشية (وهي ألمانية العصور الوسطي بعد أن دخل عليها بعض المفردات العبرية والسلافية، وتكتب بحروف عبرية، كان يهود شرق أوربا يتحدثون بها). نقول إن المراجع الصهيونية تشير إلى هاتين الرطانتين بحسبانهما تعبيراً عن الاستقلالية اليهودية. لكن من المعروف أن ظاهرة اللهجة المستقلة ليست مقصورة على اليهود فكثير من أعضاء الأقليات ممن يضطلعون بوظيفة معينة (كالتجارة والربا) يبقون على لغتهم وسيلة للحديث، ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك الأرمن في الدولة العثمانية والصينيون في جنوب شرق آسيا، الذين يضطلعون بوظائف مالية محددة، فهؤلاء يتحدثون لغتهم الأصلية ويحتفظون بتماسكهم، لكن بزوال وظيفتهم يرحلون عن الوطن أو يندمجون فيه، وهذا ما حدث للادينو واليديشية، فالأولى انقرضت تماماً، أما الثانية فقد اصبحت لغة المسنين في بعض بقايا الجيوب اليهودية في شرق أوربا، وهي في طريقها إلى الاختفاء.
ويقوم المؤلفون اليهود بوضع مؤلفاتهم بلغة أوطانهم، وحتى المؤلفات الدينية التي كانت تكتب بالأرامية أو العبرية، فإنها تكتب الآن بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، أو بأية لغة يجيدها المؤلف من أعضاء الجماعات اليهودية، ولم يعد يكتب بالعبرية سوى المؤلفين الإسرائيليين، وإذا تركنا اللغة (هذا الوعاء البالغ الأهمية) نظرنا إلى الأدب والفنور التشكيلية، فسنجد أن التقاليد الأدبية والفنية التي يبدع المؤلفون والفنتانون اليهود من خلالها هي تقاليد بلادهم. ولا يمكن فهم إبداعات هؤلاء الحضارية إلا بالرجوع إلى موروثات بلادهم الحضارية، ولو عاد الباحث إلى مفهوم الهوية اليهودية العامة والعالمية لضل سواء السبيل تماماً. وقل الشيء نفسه عن الأزياء والأطعمة والطرز المعمارية.
وحتى لو كان ثمة خاصية ما تفصل اليهود عن محيطهم الحضاري فإن هذه الخاصية (مثل تكلم يهود شرق أوربا باليديشية بعض الوقت) تظل مقصورة على أقلية يهودية بعينها، ومرتبطة بملابسات تاريخية وأوضاع اجتماعية وفترة زمنية محددة وبالتالي، فهي ليست خاصية يهودية عامة أو عالمية، وإنما هي خاصية تتسم جماعة يهودية ما بها، توجد داخل زمان ومكان محددين، وهي في هذه الحالة الجماعة اليهودية في شرق أوربا من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين. وهي أيضاً خاصية لا تربط بين هذه الجماعة اليهودية وغيرها من الجماعات، بل بالعكس، إنها تزيدها فرقة وتنوعاً، فاليهود خارج هذا الزمان وهذا المكان لا يتحدثون اليديشية، وبعضهم يرفضها، وقد نشب صراع بين دعاة اليديشية من أنصار قومية الدياسبورا ودعاة العبرية من الصهاينة، كما هاجم مثقفو حركة الاستنارة في ألمانيا اليديشية باعتبارها ألمانية مشوهة ولغة الغش التجاري والتخلف الحضاري! وقد اختفت اليديشية، بينما استمر يهود شرق أوربا في الوجود، يتحدثون لغات أوطانهم: الروسية، والبولندية، والأوكرانية، والألماني.
سفارديم واشكناز ويهود العالم الإسلامي
يمكن تصنيف الجماعات اليهودية المتنوعة على عدة أسس، كلها ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية جزئية. وهذا يعود إلى إشكالين أساسيين كامنين في الشرع والموروث الديني اليهوديين: فاليهودي يعرف بأنه من ولد لأم يهودية أو تهود بحسب الشريعة. وهو ما يعني أن هناك أساساً عقائدياً (التهود والإيمان باليهودية) وأساسا عرقياً (الأم يهودية)، أي أن الإنتماء إلى اليهودية يمكن أن يتم على أساس أي من المنطلقين، كما أن اليهودي الملحد يظل يهوديا على الرغم من إلحاده (وهذا أمر ينفرد الشرع اليهودي به دون الإسلام أو المسيحية).
ويمكن تصنيف أعضاء الجماعات اليهودية، على أساس عرقي أو إثنى، إلى مجموعات كبرى ثلاث:
1ـ السفارديم:
هم اليهود الذينكانوا يتحدثون اللادينو، وهم نسل أولئك اليهود الذين عاشوا في شبة جزيرة أيبيريا أصلاً، وحينما طرد أعضاء الجماعة اليهودية منها اتجهوا إلى الدولة العثمانية واليونان وشمال إفريقيا، وكانت قطاعات من يهود المارانو المتخفين (الذين أظهروا الكاثوليكية وأبطنوا اليهودية هرباً من محاكم التفتيش) تلحق بهم وتشهر يهوديتها فتصبح من السفارديم. وكان بين السفارد نخبة تمتلك مهارات إدارية، كما كانت تمتلك رأس مال كبير يؤهلها للاضطلاع بدور التجارة الدولية. وفعلاً كون السفارد شبكة تجارية دولية فقاموا، بالتالي، بدور أساسي في تطوير الرأسمالية الغربية. ولهم طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية، ولذا يمكن الإشارة إلى النهج السفاردي في العبادة، كما أن عبريتهم تختلف عن عبرية الأشكناز، وكان السفارد أكثر اندماجاً في محيطهم الحضاري وأكثر استيعاباً للحضارة العربية ثم الحضارة الغربية. وظهر في صفوفهم الفيلسوف إسبينوزا ورئيس الوزراء دزرائيلي، وثمة عداء متأصل بين السفارد والأشكناز، فالسفارد كانوا أرستقراطية اليهود، وكان استقرار الأشكناز في أماكن تجمعهم يسبب لهم الحرج، وكانوا لا يتعبدون معهم ولا يتزوجون منهم، وكانوا يحاولون الاحتفاظ بمسافة بينهم، وقد انقلب الوضع رأساً على عقب بعد أن تحولوا إلى أقلية وحقق الأشكناز بروزاً في الحضارة الغربية، وبعد إعلان دولة إسرائيل.
2ـ يهود الشرق والعالم الإسلامي:
يشار إلى يهود الشرق والعالم الإسلامي بأنهم "سفارد" أيضاً، وهذه تسمية مغلوطة، ويعود هذا إلى أن كثيراً من يهود العالم الإسلامي يتبع النهج السفاردى في العبادة، لكن هذا لا يجعلهم من السفارد، فتجربتهم الدينية والثقافية والتاريخية مختلفة تماما. وينقسم يهود العالم الإسلامي إلى عدة أقسام، أهمها يهود البلاد العربية أو اليهود المستعربة الذين استوعبوا التراث العربي وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ منه.
غير أن هناك جماعات صغيرة أخرى، مثل اليهود الأكراد وبقايا السامريين ويهود جبال الأطلس من البربر ويهود إيران، وغيرهم. ويتميز كل فريق بأنه مستوعب في إطاره الحضاري للمجتمع الذي يعيش في كنفه فيتحدث لغة، بل أيضاً لهجة المجتمع الذي يعيش فيه، ويتعامل مع العالم من خلال أنساق هذا المجتمع الثقافية والرمزية. وهناك أحياناً سمات دينية فريدة لأعضاء هذه الجماعات الصغيرة، تعزلها عن التيار الرئيسي لليهودية، إذ إن المكون الإنثى كثيراً ما يؤثر في المكون الديني ويغلب عليه.
3ـ الأشكناز:
هم أساساً يهود شرق أوربا (روسيا/ بولندا) الذين يتحدثون اليديشية. ويعود أصلهم إلى ألمانيا (أشكناز بالعبرية) ومع أن أغلبية الأشكناز كانت تتحدث اليديشية، فقد كان الأشكناز يغادرون بولندا إلى بلاد مثل هولندا وإنجلترا ثم الولايات المتحدة، كانت المجتمعات المضيفة (بما في ذلك أعضاء الجماعة اليهودية فيها) تعتبرهم متخلفين، فقد كانوا يعملون كصغار مرابين وباعة متجولين، وكانوا يحضرون معهم بعض الأمراض الاجتماعية، كالغش التجاري والدعارة. وكانوا يظهرون عزوفاً عن الإندماج، ولا سيما أن أزياءهم وطريقة قص شعرهم مختلفة، فكانت تميزهم وتعزلهم عن محيطهم الحضاري الجديد. وصيغ الدين اليهودي التي يعرفونها تختلف عن الصيغ التي يعرفها السفارد.
ولذا، يمكن الحديث أيضاً عن النهج الأشكنازي في العبادة، والمسألة اليهودية كانت أساساً مسألة يهود شرق أوربا من الاشكناز، وقد ظهرت جميع الحركات الفكرية اليهودية الحديثة في صفوفهم أيضاً: حركة الاستنارة اليهودية، اليهودية الإصلاحية، اليهودية المحافظة، قومية الدياسبورا، البوند، وأخيراً الصهيونية التي بدأت كحركة اشكنازية تهدف إلى تأسيس دولة اشكنازية، لكن يهود الشرق والعالم الإسلامي وبقايا السفارد اكتسحوها.
إصلاحيون ومحافظون وأرثوذكس وطوائف وعبادات أخرى
يمكن تقسم يهود العالم من الناحية الدينية إلى قسمين أساسيين:
1ـ يهود إثنيون وهؤلاء فقدوا كل علاقتهم بالعقيدة اليهودية والموروث الديني، وهم يرون أن يهوديتهم تكمن في إثنيتهم، أي في أسلوب حياتهم وموروثهم الثقافي، ويمكن القول بأن أكثر من نصف يهود أمريكا يهود بهذا المعني، أما في الاتحاد السوفيتي (سابقا)، فإن عددهم يزيد عن ذلك كثيراً، ويشار إلى هذا الفريق بأنه اليهود الملحدون أو العلمانيون.
2ـ يهود يؤمنون بصيغة ما من صيغ العقيدة اليهودية، وهؤلاء ينقسمون إلى عدة أقسام:
(أ) اليهودية الأرثوذكسية: هي وارثة اليهودية الحاخامية أو المعيارية أو التلمودية. وهي الصيغة اليهودية التي سادت بين الجماعات اليهودية الأساسية في الغرب منذ العصور الوسطي حتى نهاية القرن التاسع عشر. ويؤمن اليهود الأرثوذكس بأن التوراة مرسلة من الإله، وبأن كل ماجاء فيها ملزم. ولذا، فهم يرون ضرورة أن يلتزم اليهودي بتنفيذ الوصايا والنواهي (المتسفوت)، وضرورة إقامة الشعائر كافة، بما في ذلك شعيرة السبت والطعام الشرعي.
(ب) اليهودية الإصلاحية: هي أول المذاهب اليهودية التي تحدت اليهودية الحاخامية وظهرت في ألمانيا (مهد الإصلاح الديني المسيحي)، وتعد ترجمة لفكر عصر الاستنارة. هي تحاول أن تعبر عن العصر الحديث، فتحكم العقل في كل شيء، وتحاول أن تفصل المكون الديني عن المكون العرقي أو القومي في العقيدة اليهودية بحيث يصبح المكون وحده ملزماًن ويسقط أي تفسير قومي لأفكار مثل "العودة" و"النفي". بحيث تصبح كلها أفكاراً تعبر عن تطلع ديني يتحقق في آخر الأيام، أو بالتدريج عبر التاريخ. وهذا كله يهدف إلى تعميق ولاء اليهودي للوطن الذي يعيش فيه ودمجه في محيطه الحضاري بحيث يتحول إلى مواطن في الشارع ويهودي في منزله. (ومع هذا تم صهينة اليهودية الإصلاحية، شأنها شان معظم التيارات والطوائف اليهودية الأخرى).
(جـ) اليهودية المحافظة: هي مجموعة من التيارات الفكرية تصدر عن الإيمان بأن العقيدة اليهودية تعبير عن روح الشعب اليهودي الثابتة (لا روح العصر المتغيرة)، وبأن هذه العقيدة تطورت عبر التاريخ وأخذت أشكالاً مختلفة، وبأنها من ثم قادرة على التكيف مع اللحظة التاريخية.
فاليهودية ليست مجموعة عقائد ثابتة وإنما هي تراث أخذ في التطور التاريخي الدائم. لكن أي تغيير يدخل على هذه العقائد لابد من أن يكون نابعاً من صميمها معبراً عن روح الشعب اليهودي وهويته. ويمكن القول بان اليهودية المحافظة ترى الدين اليهودي باعتباره، في واقع الأمر، الفلكلور اليهودي، أو الروح القومية اليهودية. وهي في هذا قريبة للغاية من الرؤية الصهيونية لليهودية، على الرغم من أن ما يهيمن على المؤسسة الدينية في إسرائيل هي اليهودية الأرثوذكسية.
ولا تؤمن اليهودية الإصلاحية أو المحافظة بأن الكتاب المقدس مرسل من الإله، وإنما هي مجموعة من الأقوال الحكيمة والأساطير الشعبية التي ألهم الخالق بعض الأنبياء بها لكنه لم يوح إليهم بها، ومن ثم، فمن حق المخلوق أن يتصرف بحسب ما يمليه العقل أو العصر عليه، فيغير ويبدل في الشعائر، بل يسقطها تماماً في بعض الأحيان. ولذا فإن الإصلاحيين والمحافظين لايلتزمون الوصايا (الأوامر والنواهي)، ولا يقيمون شعائر السبت أو الطعام الشرعي إلا على نحو جزئي من قبيل الحفاظ على الفلكلور. وقد أباحت اليهودية الإصلاحية والمحافظة ترسيم النساء حاخامات، كما أباحت الشذوذ الجنسي بين الذكور والإناث، بل ويرسم الآن الشواذ والسحاقيات حاخاميين. والأغلبية الساحقة من يهود العالم الغربي إثنية أو محافظة وإصلاحية، ولا يشكل الأرثوذكس سوى أقلية لا تزيد عن 5%. ويلاحظ إقبال أعضاء الجماعات اليهودية على العبادات الجديدة، مثل البهائية والماسونية وما يسمى ديانات العالم الجديد (الإيمان بأن للهرم شكلاً ذا قوة سحرية خارقة، على سبيل المثال).
أمريكيون وفلاشاه
إلى جانب هذه التقسيمات الأساسية توجد جماعات هامشية لا حصر لها، وقد أشرنا إلى السامريين الذين لا يؤمنون بالتلمود ولا بمعظم كتب العهد القديم، وإنما يؤمنون بأسفار موسى الخمسة أساساً بنسختها المختلفة عن تلك المتداولة بين اليهود كافة ومركزهم هو جبل جرزيم في نابلس، لا جبل صهيون، وهم لا يؤمنون بمجئ الماشيح. وهناك أيضاً القراؤن الذين تمردوا على التلمود (بتأثير الفكر المعتزلى الإسلامي)، وزلزلوا اليهودية الحاخامية من جذورها، لكن لم يبق منهم سوى بضعة آلاف في كاليفورنيا وبعض مناطق روسيا وإسرائيل، وهناك بقايا يهود كايفنج في الصين، يعبدون يهوه الذي يسمونه تيين (السماء) ويتعبدون في معبدين يهوديين، أحدهما لعبادة الإله والآخر لعبادة الأسلاف، وهم لا يعرفون لا التلمود ولا التوراة، وملامحهم صينية تماماً، ويمكن أن نشير إلى يهوديتهم بأنها يهودية كونفوشيوسية (تماما مثلما نجد أن يهودية بني إسرائيل في الهند يهودية هندوكية). وهناك عشرات من الجماعات والطوائف والفرق اليهودية الأخرى الهامشية.
لكن بدلاً من الدخول في تفصيلات لا حصر لها، يمكن أن تقارن بين عينتين إحداهما مركزية وتضم يهود الولايات المتحدة الذين يشكلون أكبر تجمع يهودي في العالم، والأخرى هامشية وتضم الفلاشا الذين يشكلون تجمعاً صغيراً هامشيا منعزلاً.
ينتمي يهود الولايات المتحدة في الدرجة الأولي، إلى الجنس الأبيض، وأغلبيتهم الساحقة من أصل أشكنازى (ألماني أو روسي/ بولند). وتوجد قلة من السفارد، والقرائين، والكرمشاكى (وهم ينتمون إلى جماعة يهودية صغيرة في شبه جزيرة القرم، يتحدث أعضاؤها بالتترية، ويبدو أنهم من بقايا يهود الخزر). وهناك أيضا بعض الأمريكيين السود الذين يدعون "العبرانيين السود" وهؤلاء يؤمنون بعقيدة شبه يهودية تتحدث عن مؤامرة الإنسان الأبيض لفصل آسيا عن أفريقيا عن طريق شق قناة السويس ويدعون أنهم هم العبرانيون الحقيقيون، ومن ثم يرون أنهم هم وحدهم أصحاب الحق في استرداد إسرائيل والإستيطان فيها وحكمها. وتوجد جماعة منهم في شيكاغو هاجر أعداد منها إلى إسرائيل، حيث استقروا في جوار ديمونا وفي أماكن أخرى، وهؤلاء لا تعترف إسرائيل أو المؤسسات الحاخامية بهم، بطبيعة الحال، ولذا فهم يشكلون أقلية منبوذة داخل كل من الدولة الصهيونية والجماعة اليهودية في الولايات المتحدة.
أما الفلاشا، فهم من يهود إثيوبيا، وملامحهم لا تختلف من قريب أو بعيد عن ملامح بعض قبائل أو أقوام إثيوبيا. وإذا كان هناك بينهم من التنويعات، فهي تنويعات تشبه في بعض الوجوه التنويعات الموجودة في مجتمعهم. وهناك جماعة الفلاشا موراه، وهي جماعة مسيحية شبه يهودية منبوذة من الفلاشا كانت قد تنصرت منذ ما يقرب من قرنين من الزمان.
ومن الناحية الدينية، ينقسم يهود الولايات المتحدة إلى قسمين أساسيين: يهود إثنيون لا أدريون ويهود متدينون وهؤلاء ينقسمون بدورهم إلى إصلاحيين ومحافظين وتجديديين وأرثوذكس (ويوجد بعض الفرق الأخرى شبه الدينية من أتباع العبادات الجديدة). واليهود الدينيون في الولايات المتحدة يتعبدون في المعبد اليهودي (السيناجودج)، ويرأسهم حاخام، ولا يقيمون معظم الشعائر ولا يكترثون بالطعام الشرعي أو بشعائر السبت والطهارة والنجاسة.
أما الفلاشا، فهم أساساً خارج نطاق اليهودية الحاخامية، ولا يعرفون التلمود، وتختلف بعض شعائرهم عن شعائر اليهودية الحاخامية، فشعائر الطهارة والنجاسة عندهم مركبة وشاملة، ومع هذا فهم يقيمون شعائرهم كلها (وقد صدموا حينما هاجروا إلى إسرائيل بسبب انصراف أعضاء الدولة اليهودية عن الشعائر اليهودية)، ويرأس يهود الفلاشا قساوسة (يقال لهم قسيم)، وهم يعرفون نظام الرهبنة، إذ فيهم رهبان وراهبات، ويصلون في معبد يهودي يسمى المسجد، ويخلعون نعالهم قبل دخوله!
ومن ناحية اللغة فإن يهود الولايات المتحدة يتحدثون الإنجليزية، ويعرف بعض علمائهم العبرية والأرامية، كما توجد العبرية في بعض كتب الصلوات، أما يهود الفلاشا، فهم يتحدثون الأمهرية (ويتحدث بعضهم بالتيجرينية). ويتعبدون بالجعيزية، لغة الكنيسة القبطية الإثيوبية، ويضم كتابهم المقدس بعض نصوص العهد الجديد.
ولكل جماعة يهودية خطابها الحضاري وفلكلورها الذي ينبع من محيطها الحضاري، ففي حالة يهود أمريكا، ينبع خطابهم الحضاري من محيطهم الحضاري الحالي (الأمريكي)، أو من محيطهم الحضاري السابق (روسياـ بولنداـ ألمانياـ إنجلترا)، أما في حالة يهود الفلاشا، فهو ينبع كله من محيطهم الحضاري الإثيوبي الإفريقي. وفي حين أن اليهودي الأمريكي يرتدي البنطلون "الجينز" ويأكل "الهامبورجر" ويرقص الديسكو ويعيش في منزل عصري. وقد يطعم حديثه ببعض اللكمات اليديشية، ويتحدث بعض الحسيديين منهم اليديشية كما يحتفظ بعضهم بالأزياء التي كانوا يرتدونها في شرق أوربا، فإن يهودي الفلاشا يرتدي شالاً لا يختلف عما يرتديه من حوله من أبناء إثيوبيا، وهو يأكل طعامهم، ويرقص الرقصات المعروفة في منطقته، ويعيش في كوخ مغطي بالحطب لا يختلف من قريب أو بعيد عن الأكواخ المجاورة، والوضع الاجتماعي ليهود أمريكا (نسبة الطلاق ـ الوظائف ـ المهن) ورؤيتهم للكون لا تختلف عن وضع الإنسان الأمريكي ورؤيته للكون. اللذين يختلفان بشكل جوهري عن وضع الفلاشا ورؤيتهم. ولهذا كله، فبينما كانت الدولة الصهيونية تتلهف لهجرة يهود الولايات المتحدة إليها، فإنها كانت ترفض هجرة الفلاشا حتى سنة 1973. ولئن كانت الدولة الصهيونية تشجع هجرتهم الآن، فليس ذلك بسبب أي تغيير طرأ على هويتهم وإنما بسبب تغييرات طرأت على سياسة الدولة الصهيونية، بل أيضاً على هويتها، ومدي حاجتها إلى العنصر البشري. بل إن الدولة الصهيونية بدأت ترحب بالفلاشا موراه، مع أن هؤلاء لا يمكن اعتبارهم يهوداً مهما يتم من تطويع للكمات قسراً.
جماعات يهودية
يمكن القول: إن الاختلافات بين يهود الولايات المتحدة ويهود الفلاشا هي حقاً اختلافات جذرية في جميع المجالات. لكن قد يقال إن مثل هذه الاختلافات العميقة موجودة عادة بين المركز والأطراف في أي تشكيل حضاري أو نسق ديني، فالجماعات المسيحية المتطرفة (المورمون مثلاً) مختلفة جوهرياً عن الأشكال المركزية المسيحية، والقول نفسه ينطبق على الإسلام، وفي هذا بعض الصدق. بيد أن وضع اليهود واليهودية يظل فريداً إلى حد كبير، فالمركز في اليهودية اختفي منذ أمد طويل، الأمر الذي سمح بتطور الأطراف على نحو مستقل تماماً عن المركز، أي مركز، وأصبح للأطراف شرعية لا تقل شرعية عما يسمي التيار الأساسي في اليهودية. وحتى قبل أن يختفي المركز، كان النسق الديني اليهودي يحوي تناقضات عميقة كثيرة، وعدد كبير من المفاهيم الدينية لم يستقر، فالسنهدرين (أعلى سلطة دينية يهودية في القرن الأول الميلادي وهي التي قامت بمحاكمة السيد المسيح) كان يضم الصدوقيين الذين كانوا يؤمنون بيهودية وثنية هرمية صارمة لا بعث فيها ولا إيمان، وإنما عقيدة جافة جامدة تدور حول القرابين والشعائر المنضبطة والمرتبطة بالأرض تماماً. لكن السنهدرين كان في الوقت ذاته يضم الفريسيين الذين كانوا يؤمنون بالبعث وبضرورة الإيمان باليوم الآخر (وكانوا يقومون بالتبشير باليهودية، وهو الأمر الذي لا تعرفه اليهودية). وعلى الرغم من الاختلافات العميقة، كان الصدوقيون والفريسيون يجلسون جنباً إلى جنب في السنهدرين، ويمارسون نشاطهم الديني، ولا يمكن تفسير هذا الوضع إلا بعدم تبلور النسق الديني اليهودي قبل تحطيم الهيكل وسقوط المركز، يضاف إلى هذا ما يمكن تسميته التعريف الثنائي لليهودي على أساس عقدي وعلى أساس عرقي الذي أسلفنا الإشارة إليه. ذلك كله سمح بظهور ما يمكن تسميته الخاصية الجيولوجية لكل من العقيدة اليهودية والهوية اليهودية (أو العقائد والهويات اليهودية إن أردنا توخي الدقة) وهي هذه العقائد والهويات تأخذ شكل تركيب جيولوجي مكون من طبقات مختلفة، مستقلة ومتراكمة أو متجاورة، لكنها غير ملتحمة أو متفاعلة، كما أنها لا تخضع لأية معيارية مركزية. ومع هذا، فإن هذه العقائد كافة سميت "يهودية" وسمي كل هؤلاء "يهوداً"، وهو أمر كان مقبولاً أو يمكن تجاهله من قبل. لكن مع ظهور الدولة الصهيونية وبداية المواجهة بين هذه العقائد وتلك الهويات، تفجر السؤال الذي لا يزال يبحث عن إجابة. من هو اليهودي؟
لهذا كله، نجد أن مصطلح "يهودي" مصطلح عام ومقدرته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة إن لم تكن منعدمة بسبب عموميته وإطلاقه، ولذا فإننا نفضل استخدام مصطلح "جماعات يهودية"، ونحرص على استخدامه قدر استطاعتنا (إلا إذا تطلب السياق غير ذلك)، فهو مصطلح يصنف هذه الجماعات اليهودية بحسبانها "يهودية"، لكنه يؤكد في الوقت نفسه عدم تجانسها باستخدام كلمة "جماعات".
يتصور كثير من الدارسين أن كلمة (يهودى) دال له مدلول واضح ومحدد يشبه في وضوحه وتحدده دالاً مثل "ألماني". فالألماني هو فرد ينتمي إلى الفرع النوردى من الجنس الأبيض من الناحية العرقية، وإلى الحضارة الغربية من الناحية الحضارية العامة، وإلى الثقافة الجرمانية من الناحية الإثنية. وهو يتحدث الألمانية، وينتمي إلى الشعب الألماني. والعناصر المشتركة بين أفراد هذا الشعب كثيرة ومهمة، ولذا فهي ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية تفوق بمراحل العناصر غير المشتركة بينهم (تعدد اللهجات ـ تنوع الألوان المحلية ـ انقسامهم إلى طبقات).
ولذا يتحدث كثير من الدارسين عن اليهود وكأنهم كتلة واحدة متماسكة ومتجانسة فعلاً، ويتم التعبير عن هذا بكلمات مثل كلمة "جوري Jewry" الإنجليزية التي تعني "اليهود باعتبارهم كلاً متماسكاً"، ويصبح افتراض الوحدة والتماسك والتجانس أكثر وضوحاً حينما يتحدث الباحث عن اليهود باعتبارهم "الشعب اليهودي" و "الأمة اليهودية" وهو ما يعني أن اليهود ينتمون إلى تشكيل حضاري واحد، وأن لهم تاريخاً واحداً، ومصيراً واحداً، ومستقبلاً واحداً، وربما عرقاً واحداً وانتماءً، ثقافياً واحداً، وأن مصالحهم واحدة وتطلعاتهم واحدة، وأن العناصر المشتركة بين يهود العالم أكثر أهمية من العناصر غير المشتركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان ثمة عناصر مشتركة بين يهود العالم، فما هي؟ وهل هذه العناصر المشتركة أكثر تفسيرية وأهمية من العناصر غير المشتركة؟
التاريخ اليهودي
لنأخذ، على سبيل المثال، فكرة "التاريخ اليهودي" الذي هو مصطلح يفترض وجود تاريخ يهودي مستقل عن تواريخ جميع الشعوب والأمم، وهو مفهوم تتفرع عنه وتستند إليه مفاهيم الاستقلال اليهودي الأخرى. ومفهوم التاريخ اليهودي يفترض أن لهذا التاريخ مراحله التاريخية وفتراته المستقلة ومعدل تطوره الخاص، بل أيضاً وقوانينه الخاصة، وهو تاريخ يضم اليهود وحدهم، يتفاعلون داخله مع عدة عناصر مقصورة عليهم، من أهمها دينهم وبعض الأشكال الاجتماعية الفريدة. واستقلالية أي بناء تاريخي تعني استقلالية بناه الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك استقلالية البني الحضارية والرمزية المرتبطة به، وتجانسها النسبي في كل مرحلة من مراحله. كما أن هذا البناء يضم جماعة من الناس لا وجود لها خارجه، ولا يمكن فهم سلوكها إلا في إطار تفاعلها معه. ولكن من الثابت تاريخيا أن الجماعات اليهودية المنتشرة في العالم كانت تتسم بعدم التجانس وعدم الترابط وبأن أعضاءها كانوا يوجدون في مجتمعات مختلفة تسودها أنماط إنتاجية وأبنية حضارية اختلفت باختلاف الزمان والمكان. فيهود اليمن، في القرن التاسع عشر، كانوا يعيشون في مجتمع صحراوي قبلي عربي. أما يهود هولندا فكانوا في الفترة ذاتها يعيشون في مجتمع حضري رأسمالي غربي. ولكل هذا نجد أن سلوك اليهودي اليمني ورؤيته للكون تحكمها إلى حد كبير عناصر البناء التاريخي العربي الذي يعيش فيه، تماماً كما تحكم سلوك يهود هولندا ورؤيتهم مكونات البناء التاريخي الغربي الهولندي.
والآن، إذا افترضنا جدلاً وجود تاريخ يهودي، فما هي أحداث هذا التاريخ؟ هل الثورة الصناعية، على سبيل المثال، ضمن أحداث هذا التاريخ، أم أنها حدث ينتمي إلى التاريخ الغربي؟ في الواقع سنكتشف أن الثورة الصناعية حدث ضخم في التاريخ الغربي، ترك أعمق الأثر في يهود العالم الغربي، وأحدث انقلاباً في طرق حياتهم ورؤيتهم للكون في القرن التاسع عشر، أي بعد حدوث الانقلاب بفترة وجيزة، لكن هذا الانقلاب لم يحدث لهم باعتبارهم يهودا وإنما بأعتبارهم أقلية توجد داخل التشكيل الحضاري الغربي، إذ إننا سنجد أن هذا الانقلاب في طرق الحياة والرؤية للعالم قد حدث أيضاً لأعضاء الأغلبية ولأعضاء الأقليات الأخرى الموجودة داخل المجتمعات الغربية. وفي الوقت نفسه، لم يتأثر يهود العالم العربي بالثورة الصناعية بالدرجة نفسها، ذلك لأن التشكيل الحضاري العربي كان بمنأى عن هذه الثورة الصناعية في بداية الأمر، لكن بعد نحو قرن من الزمان، بدأ هذا التشكيل يتأثر بالثورة الصناعية، وبالتال بدأ أثرها يمتد إلى معظم المجتمعات العربية بأغلبياتها وأقلياتها، أما يهود إثيوبيا فلم يتاثروا إلا بشكل سطحي، لأن المناطق التي يعيشون فيها ظلت بمنأى عن هذه التحولات الكبرى، وبقيت ذات طابع قبلي حتى الوقت الحاضر. لذا يمكن القول بأن معدل تأثر اليهود بالثورة الصناعية مسألة مرتبطة بكونهم أعضاء في مجتمع ما. فإذا تأثر هذا المجتمع بالثورة الصناعية فإن أعضاء الجماعات اليهودية يتأثرون بها بالمقدار ذاته، وإذا فالإطار المرجعي للدراسة لا يمكن أن يكون التاريخ اليهودي. ولو جعل الباحث هذا التاريخ مرجعيته لعجز عن تفسير كثير من عناصر عدم التجانس والتفاوت في هذا التاريخ، ولاضطر إلى لي عنق الحقائق ليفسر سبب تأثر يهود لندن بالثورة الصناعية فور حدوثها ولم يتأثر بها بعض يهود إثيوبياً حتى الآن!
هوية يهودية وموروث يهودي
إذا كان من الصعب قبول مقولة "التاريخ اليهودي" فإنه يصبح من الصعب بالتالي الحديث عن "الهوية اليهودية" أو عن "الشخصية اليهودية"، إذ أن من الواضح أن أعضاء الجماعات اليهودية هم جزء لا يتجزأ من التشكيلات الحضارية التي يعيشون في كنفها، بتفاعلون معها تأثيراً وتأثراً، شأنهم في هذا شأن أعضاء الأغلبيات والأقليات.
لنأخذ على سبيل المثال الموروث الثقافي لأعضاء الجماعات اليهودية، إننا سنلاحظ مثلاً أن اللغات التي يتحدثون بها تختلف باختلاف المجتمع الذي ينتمون إليه، فهم يتحدثون الإنجليزية في البلاد التي تتحدث بها، والفرنسية في فرنسا، والجورجية في جورجيا.
وتشير المراجع الصهيونية إلى اللادينو (وهي رطانة إسبانية كان السفارديم يتحدثون بها)، واليديشية (وهي ألمانية العصور الوسطي بعد أن دخل عليها بعض المفردات العبرية والسلافية، وتكتب بحروف عبرية، كان يهود شرق أوربا يتحدثون بها). نقول إن المراجع الصهيونية تشير إلى هاتين الرطانتين بحسبانهما تعبيراً عن الاستقلالية اليهودية. لكن من المعروف أن ظاهرة اللهجة المستقلة ليست مقصورة على اليهود فكثير من أعضاء الأقليات ممن يضطلعون بوظيفة معينة (كالتجارة والربا) يبقون على لغتهم وسيلة للحديث، ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك الأرمن في الدولة العثمانية والصينيون في جنوب شرق آسيا، الذين يضطلعون بوظائف مالية محددة، فهؤلاء يتحدثون لغتهم الأصلية ويحتفظون بتماسكهم، لكن بزوال وظيفتهم يرحلون عن الوطن أو يندمجون فيه، وهذا ما حدث للادينو واليديشية، فالأولى انقرضت تماماً، أما الثانية فقد اصبحت لغة المسنين في بعض بقايا الجيوب اليهودية في شرق أوربا، وهي في طريقها إلى الاختفاء.
ويقوم المؤلفون اليهود بوضع مؤلفاتهم بلغة أوطانهم، وحتى المؤلفات الدينية التي كانت تكتب بالأرامية أو العبرية، فإنها تكتب الآن بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، أو بأية لغة يجيدها المؤلف من أعضاء الجماعات اليهودية، ولم يعد يكتب بالعبرية سوى المؤلفين الإسرائيليين، وإذا تركنا اللغة (هذا الوعاء البالغ الأهمية) نظرنا إلى الأدب والفنور التشكيلية، فسنجد أن التقاليد الأدبية والفنية التي يبدع المؤلفون والفنتانون اليهود من خلالها هي تقاليد بلادهم. ولا يمكن فهم إبداعات هؤلاء الحضارية إلا بالرجوع إلى موروثات بلادهم الحضارية، ولو عاد الباحث إلى مفهوم الهوية اليهودية العامة والعالمية لضل سواء السبيل تماماً. وقل الشيء نفسه عن الأزياء والأطعمة والطرز المعمارية.
وحتى لو كان ثمة خاصية ما تفصل اليهود عن محيطهم الحضاري فإن هذه الخاصية (مثل تكلم يهود شرق أوربا باليديشية بعض الوقت) تظل مقصورة على أقلية يهودية بعينها، ومرتبطة بملابسات تاريخية وأوضاع اجتماعية وفترة زمنية محددة وبالتالي، فهي ليست خاصية يهودية عامة أو عالمية، وإنما هي خاصية تتسم جماعة يهودية ما بها، توجد داخل زمان ومكان محددين، وهي في هذه الحالة الجماعة اليهودية في شرق أوربا من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين. وهي أيضاً خاصية لا تربط بين هذه الجماعة اليهودية وغيرها من الجماعات، بل بالعكس، إنها تزيدها فرقة وتنوعاً، فاليهود خارج هذا الزمان وهذا المكان لا يتحدثون اليديشية، وبعضهم يرفضها، وقد نشب صراع بين دعاة اليديشية من أنصار قومية الدياسبورا ودعاة العبرية من الصهاينة، كما هاجم مثقفو حركة الاستنارة في ألمانيا اليديشية باعتبارها ألمانية مشوهة ولغة الغش التجاري والتخلف الحضاري! وقد اختفت اليديشية، بينما استمر يهود شرق أوربا في الوجود، يتحدثون لغات أوطانهم: الروسية، والبولندية، والأوكرانية، والألماني.
سفارديم واشكناز ويهود العالم الإسلامي
يمكن تصنيف الجماعات اليهودية المتنوعة على عدة أسس، كلها ذات مقدرة تفسيرية وتصنيفية جزئية. وهذا يعود إلى إشكالين أساسيين كامنين في الشرع والموروث الديني اليهوديين: فاليهودي يعرف بأنه من ولد لأم يهودية أو تهود بحسب الشريعة. وهو ما يعني أن هناك أساساً عقائدياً (التهود والإيمان باليهودية) وأساسا عرقياً (الأم يهودية)، أي أن الإنتماء إلى اليهودية يمكن أن يتم على أساس أي من المنطلقين، كما أن اليهودي الملحد يظل يهوديا على الرغم من إلحاده (وهذا أمر ينفرد الشرع اليهودي به دون الإسلام أو المسيحية).
ويمكن تصنيف أعضاء الجماعات اليهودية، على أساس عرقي أو إثنى، إلى مجموعات كبرى ثلاث:
1ـ السفارديم:
هم اليهود الذينكانوا يتحدثون اللادينو، وهم نسل أولئك اليهود الذين عاشوا في شبة جزيرة أيبيريا أصلاً، وحينما طرد أعضاء الجماعة اليهودية منها اتجهوا إلى الدولة العثمانية واليونان وشمال إفريقيا، وكانت قطاعات من يهود المارانو المتخفين (الذين أظهروا الكاثوليكية وأبطنوا اليهودية هرباً من محاكم التفتيش) تلحق بهم وتشهر يهوديتها فتصبح من السفارديم. وكان بين السفارد نخبة تمتلك مهارات إدارية، كما كانت تمتلك رأس مال كبير يؤهلها للاضطلاع بدور التجارة الدولية. وفعلاً كون السفارد شبكة تجارية دولية فقاموا، بالتالي، بدور أساسي في تطوير الرأسمالية الغربية. ولهم طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية، ولذا يمكن الإشارة إلى النهج السفاردي في العبادة، كما أن عبريتهم تختلف عن عبرية الأشكناز، وكان السفارد أكثر اندماجاً في محيطهم الحضاري وأكثر استيعاباً للحضارة العربية ثم الحضارة الغربية. وظهر في صفوفهم الفيلسوف إسبينوزا ورئيس الوزراء دزرائيلي، وثمة عداء متأصل بين السفارد والأشكناز، فالسفارد كانوا أرستقراطية اليهود، وكان استقرار الأشكناز في أماكن تجمعهم يسبب لهم الحرج، وكانوا لا يتعبدون معهم ولا يتزوجون منهم، وكانوا يحاولون الاحتفاظ بمسافة بينهم، وقد انقلب الوضع رأساً على عقب بعد أن تحولوا إلى أقلية وحقق الأشكناز بروزاً في الحضارة الغربية، وبعد إعلان دولة إسرائيل.
2ـ يهود الشرق والعالم الإسلامي:
يشار إلى يهود الشرق والعالم الإسلامي بأنهم "سفارد" أيضاً، وهذه تسمية مغلوطة، ويعود هذا إلى أن كثيراً من يهود العالم الإسلامي يتبع النهج السفاردى في العبادة، لكن هذا لا يجعلهم من السفارد، فتجربتهم الدينية والثقافية والتاريخية مختلفة تماما. وينقسم يهود العالم الإسلامي إلى عدة أقسام، أهمها يهود البلاد العربية أو اليهود المستعربة الذين استوعبوا التراث العربي وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ منه.
غير أن هناك جماعات صغيرة أخرى، مثل اليهود الأكراد وبقايا السامريين ويهود جبال الأطلس من البربر ويهود إيران، وغيرهم. ويتميز كل فريق بأنه مستوعب في إطاره الحضاري للمجتمع الذي يعيش في كنفه فيتحدث لغة، بل أيضاً لهجة المجتمع الذي يعيش فيه، ويتعامل مع العالم من خلال أنساق هذا المجتمع الثقافية والرمزية. وهناك أحياناً سمات دينية فريدة لأعضاء هذه الجماعات الصغيرة، تعزلها عن التيار الرئيسي لليهودية، إذ إن المكون الإنثى كثيراً ما يؤثر في المكون الديني ويغلب عليه.
3ـ الأشكناز:
هم أساساً يهود شرق أوربا (روسيا/ بولندا) الذين يتحدثون اليديشية. ويعود أصلهم إلى ألمانيا (أشكناز بالعبرية) ومع أن أغلبية الأشكناز كانت تتحدث اليديشية، فقد كان الأشكناز يغادرون بولندا إلى بلاد مثل هولندا وإنجلترا ثم الولايات المتحدة، كانت المجتمعات المضيفة (بما في ذلك أعضاء الجماعة اليهودية فيها) تعتبرهم متخلفين، فقد كانوا يعملون كصغار مرابين وباعة متجولين، وكانوا يحضرون معهم بعض الأمراض الاجتماعية، كالغش التجاري والدعارة. وكانوا يظهرون عزوفاً عن الإندماج، ولا سيما أن أزياءهم وطريقة قص شعرهم مختلفة، فكانت تميزهم وتعزلهم عن محيطهم الحضاري الجديد. وصيغ الدين اليهودي التي يعرفونها تختلف عن الصيغ التي يعرفها السفارد.
ولذا، يمكن الحديث أيضاً عن النهج الأشكنازي في العبادة، والمسألة اليهودية كانت أساساً مسألة يهود شرق أوربا من الاشكناز، وقد ظهرت جميع الحركات الفكرية اليهودية الحديثة في صفوفهم أيضاً: حركة الاستنارة اليهودية، اليهودية الإصلاحية، اليهودية المحافظة، قومية الدياسبورا، البوند، وأخيراً الصهيونية التي بدأت كحركة اشكنازية تهدف إلى تأسيس دولة اشكنازية، لكن يهود الشرق والعالم الإسلامي وبقايا السفارد اكتسحوها.
إصلاحيون ومحافظون وأرثوذكس وطوائف وعبادات أخرى
يمكن تقسم يهود العالم من الناحية الدينية إلى قسمين أساسيين:
1ـ يهود إثنيون وهؤلاء فقدوا كل علاقتهم بالعقيدة اليهودية والموروث الديني، وهم يرون أن يهوديتهم تكمن في إثنيتهم، أي في أسلوب حياتهم وموروثهم الثقافي، ويمكن القول بأن أكثر من نصف يهود أمريكا يهود بهذا المعني، أما في الاتحاد السوفيتي (سابقا)، فإن عددهم يزيد عن ذلك كثيراً، ويشار إلى هذا الفريق بأنه اليهود الملحدون أو العلمانيون.
2ـ يهود يؤمنون بصيغة ما من صيغ العقيدة اليهودية، وهؤلاء ينقسمون إلى عدة أقسام:
(أ) اليهودية الأرثوذكسية: هي وارثة اليهودية الحاخامية أو المعيارية أو التلمودية. وهي الصيغة اليهودية التي سادت بين الجماعات اليهودية الأساسية في الغرب منذ العصور الوسطي حتى نهاية القرن التاسع عشر. ويؤمن اليهود الأرثوذكس بأن التوراة مرسلة من الإله، وبأن كل ماجاء فيها ملزم. ولذا، فهم يرون ضرورة أن يلتزم اليهودي بتنفيذ الوصايا والنواهي (المتسفوت)، وضرورة إقامة الشعائر كافة، بما في ذلك شعيرة السبت والطعام الشرعي.
(ب) اليهودية الإصلاحية: هي أول المذاهب اليهودية التي تحدت اليهودية الحاخامية وظهرت في ألمانيا (مهد الإصلاح الديني المسيحي)، وتعد ترجمة لفكر عصر الاستنارة. هي تحاول أن تعبر عن العصر الحديث، فتحكم العقل في كل شيء، وتحاول أن تفصل المكون الديني عن المكون العرقي أو القومي في العقيدة اليهودية بحيث يصبح المكون وحده ملزماًن ويسقط أي تفسير قومي لأفكار مثل "العودة" و"النفي". بحيث تصبح كلها أفكاراً تعبر عن تطلع ديني يتحقق في آخر الأيام، أو بالتدريج عبر التاريخ. وهذا كله يهدف إلى تعميق ولاء اليهودي للوطن الذي يعيش فيه ودمجه في محيطه الحضاري بحيث يتحول إلى مواطن في الشارع ويهودي في منزله. (ومع هذا تم صهينة اليهودية الإصلاحية، شأنها شان معظم التيارات والطوائف اليهودية الأخرى).
(جـ) اليهودية المحافظة: هي مجموعة من التيارات الفكرية تصدر عن الإيمان بأن العقيدة اليهودية تعبير عن روح الشعب اليهودي الثابتة (لا روح العصر المتغيرة)، وبأن هذه العقيدة تطورت عبر التاريخ وأخذت أشكالاً مختلفة، وبأنها من ثم قادرة على التكيف مع اللحظة التاريخية.
فاليهودية ليست مجموعة عقائد ثابتة وإنما هي تراث أخذ في التطور التاريخي الدائم. لكن أي تغيير يدخل على هذه العقائد لابد من أن يكون نابعاً من صميمها معبراً عن روح الشعب اليهودي وهويته. ويمكن القول بان اليهودية المحافظة ترى الدين اليهودي باعتباره، في واقع الأمر، الفلكلور اليهودي، أو الروح القومية اليهودية. وهي في هذا قريبة للغاية من الرؤية الصهيونية لليهودية، على الرغم من أن ما يهيمن على المؤسسة الدينية في إسرائيل هي اليهودية الأرثوذكسية.
ولا تؤمن اليهودية الإصلاحية أو المحافظة بأن الكتاب المقدس مرسل من الإله، وإنما هي مجموعة من الأقوال الحكيمة والأساطير الشعبية التي ألهم الخالق بعض الأنبياء بها لكنه لم يوح إليهم بها، ومن ثم، فمن حق المخلوق أن يتصرف بحسب ما يمليه العقل أو العصر عليه، فيغير ويبدل في الشعائر، بل يسقطها تماماً في بعض الأحيان. ولذا فإن الإصلاحيين والمحافظين لايلتزمون الوصايا (الأوامر والنواهي)، ولا يقيمون شعائر السبت أو الطعام الشرعي إلا على نحو جزئي من قبيل الحفاظ على الفلكلور. وقد أباحت اليهودية الإصلاحية والمحافظة ترسيم النساء حاخامات، كما أباحت الشذوذ الجنسي بين الذكور والإناث، بل ويرسم الآن الشواذ والسحاقيات حاخاميين. والأغلبية الساحقة من يهود العالم الغربي إثنية أو محافظة وإصلاحية، ولا يشكل الأرثوذكس سوى أقلية لا تزيد عن 5%. ويلاحظ إقبال أعضاء الجماعات اليهودية على العبادات الجديدة، مثل البهائية والماسونية وما يسمى ديانات العالم الجديد (الإيمان بأن للهرم شكلاً ذا قوة سحرية خارقة، على سبيل المثال).
أمريكيون وفلاشاه
إلى جانب هذه التقسيمات الأساسية توجد جماعات هامشية لا حصر لها، وقد أشرنا إلى السامريين الذين لا يؤمنون بالتلمود ولا بمعظم كتب العهد القديم، وإنما يؤمنون بأسفار موسى الخمسة أساساً بنسختها المختلفة عن تلك المتداولة بين اليهود كافة ومركزهم هو جبل جرزيم في نابلس، لا جبل صهيون، وهم لا يؤمنون بمجئ الماشيح. وهناك أيضاً القراؤن الذين تمردوا على التلمود (بتأثير الفكر المعتزلى الإسلامي)، وزلزلوا اليهودية الحاخامية من جذورها، لكن لم يبق منهم سوى بضعة آلاف في كاليفورنيا وبعض مناطق روسيا وإسرائيل، وهناك بقايا يهود كايفنج في الصين، يعبدون يهوه الذي يسمونه تيين (السماء) ويتعبدون في معبدين يهوديين، أحدهما لعبادة الإله والآخر لعبادة الأسلاف، وهم لا يعرفون لا التلمود ولا التوراة، وملامحهم صينية تماماً، ويمكن أن نشير إلى يهوديتهم بأنها يهودية كونفوشيوس
جيفارا فلسطين- عضوجديد
- عدد المساهمات : 19
الرصيد : 43
أعجبني : 0
تاريخ التسجيل : 09/10/2010
العمر : 36
رقم العضوية : 177
ورود الحياه- عضوVIP
- عدد المساهمات : 5770
الرصيد : 7462
أعجبني : 26
تاريخ التسجيل : 18/08/2010
العمر : 30
العمل/الترفيه : طالبه
رقم العضوية : 27
مواضيع مماثلة
» حول يهودية "دولة إسرائيل"
» ثلث عدد المهاجرين إلى "إسرائيل" غير يهود
» جمعيات يهودية متطرفة تطرح مبادرة لاقتحام الأقصى وتلقي العلم بساحات
» متطرفون يهود يدخلون المسجد الاقصى
» اعتقال مصلين بعد مشادات مع يهود متطرفين بالاقصى
» ثلث عدد المهاجرين إلى "إسرائيل" غير يهود
» جمعيات يهودية متطرفة تطرح مبادرة لاقتحام الأقصى وتلقي العلم بساحات
» متطرفون يهود يدخلون المسجد الاقصى
» اعتقال مصلين بعد مشادات مع يهود متطرفين بالاقصى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 15 مايو 2016, 8:53 pm من طرف قلوب دافئه
» لماذا عُرج برسول الله من المسجد الأقصى ولم يُعرج به من المسجد الحرام
الأربعاء 16 مارس 2016, 12:33 am من طرف قلوب دافئه
» الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 20 ديسمبر 2015, 1:06 am من طرف قلوب دافئه
» ضرب الأطفال
الأربعاء 25 نوفمبر 2015, 9:03 am من طرف قلوب دافئه
» الأدب فى رياض الصالحين
الإثنين 19 أكتوبر 2015, 11:13 am من طرف قلوب دافئه
» الصبر والأمانة باب القرب والعطاء
السبت 12 سبتمبر 2015, 3:54 pm من طرف قلوب دافئه
» إصلاح وتربية المجتمع بإصلاح قلوب أهله
الإثنين 17 أغسطس 2015, 11:23 pm من طرف قلوب دافئه
» احكام الفدية على المريض فى رمضان ومتى تجب عليه
الأحد 21 يونيو 2015, 12:04 am من طرف قلوب دافئه
» رؤية هلال رمضان
الإثنين 08 يونيو 2015, 4:46 pm من طرف قلوب دافئه
» ولم يك رب العرش فوق سمائه تنزّة عن كيف وعن برهان
الثلاثاء 02 يونيو 2015, 12:02 pm من طرف المحب لفلسطين
» لماذا عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى ولم يعرج به من المسجد الحرام
الثلاثاء 26 مايو 2015, 10:05 am من طرف قلوب دافئه
» لماذا طلب داعى اليهود والنصارى وإبليس نظره من رسول الله فى الإسراء والمعراج
السبت 16 مايو 2015, 8:27 am من طرف قلوب دافئه
» لماذا اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج دون باقى الأنبياء
الإثنين 04 مايو 2015, 6:26 am من طرف قلوب دافئه
» تحميل كتاب إشراقات الإسراء
الخميس 16 أبريل 2015, 12:30 am من طرف قلوب دافئه
» اختبار الغضب
الأحد 29 مارس 2015, 1:50 pm من طرف قلوب دافئه