عدد زوار المنتدى
.: عدد زوار المنتدى :.
< SPAN>
المواضيع الأخيرة
لن ننساكم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 45 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 45 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 689 بتاريخ الجمعة 21 يونيو 2013, 9:15 pm
هزيمة "اسرائيل" في لبنان
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
هزيمة "اسرائيل" في لبنان
هزيمة "اسرائيل" في لبنان
د. الياس شوفاني / مفكر فلسطيني
مقدمة:
يتابع المفكر الفلسطيني الياس شوفاني في هذه الحلقة، تتبع العوامل التي ادت إلى هزيمة "اسرائيل" في لبنان.
في هذه الحلقة، يرى شوفاني، ان "الاسرائيليين" وطوال سنوات حكم نتنياهو بين الاعوام 1996-1999 سعوا إلى ايجاد مخرج ملائم لهزيمتهم في لبنان، وذلك من خلال محاولة جر السلطات اللبنانية إلى معاهدة سلام معهم، او عبر الضغط على لبنان بالاعمال العسكرية المختلفة، او عبر الاعتراف بالقرار 425، وهو القرار الذي لم تعترف به "اسرائيل" منذ صدوره في العام 1978.
وحاولت "اسرائيل" ربط انسحابها من لبنان بعقد صفقة تسوية مع سوريا، تعمل فيها تل ابيب على وصل الانسحاب من الجنوب اللبناني بانسحاب جزئي من الجولان.
واذ فشلت "اسرائيل" في ذلك، فان اعمال المقاومة، كانت تشهد كثافة عالية وتصاعدا مستمرا، الامر الذي اسفر عن لجوء مجموعات ضغط "اسرائيلية" داخلية، كانت تنادي بالانسحاب من لبنان باي ثمن.
خلافا لما توقعته القيادة السياسية ـ العسكرية "الاسرائيلية" واجهزة استخباراتها، لم تتوقف المقاومة لجيش الاحتلال وحلفائه المحليين بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان (آب 1982). وبينما كان الجيش "الاسرائيلي" وعملاؤه يقترفون جريمتهم البشعة في مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين، كانت المقاومة المحلية قد بدأت . ثم ما لبثت هذه المقاومة ان توسعت لتصبح اطارا عريضا لكل القوى المشاركة في مقاومة الاحتلال. وقد بدأت المقاومة نشاطها ضد جيش الاحتلال في بيروت، ولاحقته وهو ينسحب على مراحل من منطقة إلى اخرى. وعندما انكفأت قوات الغزو "الاسرائيلي" إلى الجنوب وتمركزت في الشريط الحدودي، حاولت "اسرائيل" استمالة الطائفة الشيعية من خلال بعض الرموز، ولكنها فشلت، فتحولت إلى قمعها وقهرها، الامر الذي استثار جماهيرها، ودفعها إلى الانتفاض على الاحتلال. "واشتهر بين اشكال المقاومة انتفاض قرى بكاملها حيث واجه السكان الدوريات "الاسرائيلية" وقاتلوها بما ملكت ايديهم من اسلحة بدائية، كما جرى في قرى معركة وجبشيت والبيسرية والبازورية وبدياس وبرج رحال وطورا وانصارية وغيرها. ومارس رجال دين مجاهدون ادوارا رئيسية في حشد القرى وتجييشها في مواجهة الجيش المحتلِ، ومنهم من استشهد (السيد عباس الموسوي، الشيخ راغب حرب)، ومنهم من لا يزال معتقلا في سجون "اسرائيل" (الشيخ عبدالكريم عبيد). وفي 1 تشرين الاول 1983، اعلن الشيخ محمد مهدي شمس الدين، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى (آنذاك)، المقاومة المدنية الشاملة ضد الاحتلال فحرم التعامل مع "اسرائيل" شرعا، واعتبره خيانة وطنية. ودعا الى نبذ المتعاملين معها، والى التشبث بالارض، وبوحدة لبنان ارضا وشعبا ومؤسسات. (سويد" الجنوب اللبناني"، ص 31-33).
وسرعان ما برزت المقاومة الاسلامية، واحتكرت العمل العسكري ضد الاحتلال في الجنوب، ونجحت في ذلك لاسباب ذاتية وموضوعية، خاصة لناحية التركيبة السكانية في ذلك الجزء من لبنان، والتي تشكل الطائفة الشيعية الجزء الاكبر منها. اما على الصعيد الذاتي، فقد تميزت المقاومة الاسلامية منذ البداية بالعمليات الاستشهادية النوعية، وكان اكبر العمليات الاستشهادية التي تمت عبر السيارات المفخخة، والتي اوقعت اصابات كثيرة في صفوف قوات الاحتلال "الاسرائيلي" والقوات المتعددة الجنسيات هي:
1) تفجير مقر القوات الفرنسية في القوة المتعددة الجنسيات يوم 23/10/1982 ومقتل 56 شخصا.
2) تفجير مقر الحاكم العسكري في صور بتاريخ 11/11/1982 ومقتل 89 شخصا بينهم 76 عسكريا اسرائيليا.
3) تفجير مقر قيادة المارينز الاميركية في بيروت بتاريخ 23/10/1983 ومقتل 241 عسكريا اميركيا.
4) تفجير مقر قيادة القوات "الاسرائيلية" مرة اخرى في صور بتاريخ 4/11/1983 وسقوط 29 قتيلا وعدد مماثل من الجرحى.
وبعد فترة من الصراع بين حركة امل وحزب الله، استقرت الهيمنة شبه الكاملة لحزب الله على ساحة المقاومة في الجنوب. ففي ايار 1984، ظهر اسم حزب الله اول مرة في بيانات عن عمليات ضد جيش الاحتلال، بعد ان كانت العمليات تنسب إلى جبهة المقاومة، او إلى المجموعات التي تشكل منها حزب الله فيما بعد. وفي شباط 1985 وجه الحزب رسالة إلى المستضعفين حدد فيها رؤيته وبرنامجه السياسي.
وعن تنامي قوة حزب الله وتصاعد نشاطه العسكري يقول سويد: واستطاعت المقاومة الاسلامية وهي الجناح العسكري في حزب الله ان تطور امكاناتها البشرية والمادية بصورة اعترف بها كبار القادة العسكريين "الاسرائيليين"، وحولت العمل المقاومة إلى حرب استنزاف مكلفة تمسك فيها ـ على هذا المستوى ـ بزمام المبادرة، وتنعكس آثارها بصورة متزايدة على الوضع السياسي الداخلي في "اسرائيل"، وخصوصا في النقاش المستفيض بشأن جدوى بقاء القوات "الاسرائيلية" في الجنوب، ومصير قوات لحد في حال الانسحاب. كما ادت إلى استعجال الدعوة "الاسرائيلية" الراهنة إلى تنفيذ القرار 425 الصادر عن مجلس الامن في 19 آذار 1978، والمتعلق بترتيبات انسحاب الجيش "الاسرائيلي" من لبنان. واطلقت دعوات مقابلة لضرب الاقتصاد اللبناني وتدمير منشآت البنية التحتية: مهاجمة الجسور وشبكات المياه والكهرباء، كلما سقط جندي "اسرائيلي" في عمليات المقاومة. (المصدر السابق نفسه).
وبالفعل، فان تطور فعالية المقاومة الاسلامية، كما ونوعا، كان ظاهرة لافتة للنظر، الامر الذي اعترفت به قيادة الجيش "الاسرائيلي" قسرا. وكان اشد ما ضاقت ذرعا به هو استخفاف هذه المقاومة بما اعتقدته تلك القيادة من امتلاك جيشها ما يكفي من قوة الردع لفرض هيبته على مقاتلي المقاومة، وبالتالي، امساكه بزمام المبادرة في ادارة الصراع معهم. ولقد لعب هذا الاعتقاد الزائف دورا رئيسيا في قبول القيادة السياسية/ العسكرية "الاسرائيلية" بشروط تفاهم نيسان، حيث ظنت ان يدها ستكون هي العليا في المواجهة الميدانية مع مقاتلي المقاومة، الا انها سرعان ما اكتشفت سوء تقويمها للوضع، سواء لناحية امكانات جنودها، وحتى من وحدات النخبة، او لناحية قدرات مقاتلي المقاومة. "وقد لفت رئيس الاركان "الاسرائيلي"، الجنرال شاؤول موفاز، إلى التطور المتواصل لقدرات المقاومة الاسلامية على مستويي السلاح والخبرة القتالية، التي اضافت اليها في الاشهر الاخيرة تهديد المروحيات "الاسرائيلية" بالمضادات الروسية الصنع من عيار 57 ملم. وقال ان على المروحيات ان تبحث عن سبل جديدة للحد من الخطر الذي بدأت تتعرض له". (هآرتس،17/9/1998).
وكانت المقاومة الاسلامية نفذت عمليات اظهرت فيها تفوقا استخباراتيا، مثل الكمين الذي نصبته لوحدة كوماندوس بحري مختارة في انصارية (شمالي صور)، وادى إلى مقتل جميع افراد الوحدة (12 جنديا) ليلة 4-5/9/1997. كما اتقنت عمليات وضع الالغام وتفجيرها الكترونيا بالدوريات الليلية والنهارية، والتي كانت تصيب اهدافها بدقة، وهو ما يشير إلى الرصد المحكم لتنقلات القوات "الاسرائيلية" في المناطق المحتلة في الجنوب. كما نفذت عمليات احتلال مواقع، ومواجهات مباشرة اظهرت تدهور معنويات الجنود "الاسرائيليين" وفقدانهم المبادرة، مثل العملية التي قام بها مقاوم واحد عندما دخل الموقع "الاسرائيلي" في سجد واشتبك مع احد الجنود بينما اسقط في يد رفاقه في الموقع، وخروج المقاوم سالما (9/8/1998). وقد ادى الكثير من هذه العمليات إلى انتقادات في اوساط الجيش "الاسرائيلي"، والى تشكيل لجان للتحقيق في التقصير والاهمال (الحياة،12/8/1998).
وازاء فشلها في تطويع لبنان لارادتها، سواء بالوسائل السياسية على ارضية مفاوضات التسوية، او بالوسائل العسكرية على خلفية غزو لبنان وذيوله، "اكتشفت" القيادة السياسية/ العسكرية "الاسرائيلية" قرار مجلس الامن رقم 425، كوسيلة للخروج من ورطتها في لبنان. لقد جربت مختلف اشكال الضغط على لبنان سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا… الخ، وظلت خسائرها البشرية والمادية والمعنوية في تصاعد مستمر، فلجأت إلى توظيف القرار 425 في تحقيق هدفها بالانسحاب من الجنوب اللبناني، وتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عما يترتب على ذلك من عواقب. وفي طرحها الانسحاب على اساس هذا القرار، اعتبرت القيادة "الاسرائيلية" انها تقدم بذلك تنازلا كبيرا، كونها تبدي استعدادها لتنفيذه بعد 20 عاما على صدوره، مما حملها على وضع شروط مقابل ذلك، وكان "وزير الدفاع" في حكومة نتنياهو، يتسحاق مردخاي، اول من اعلن ذلك في حديث إلى مجلة "الوطن العربي" (العدد 1087،2/1/1998)، تضمن قبول "اسرائيل" بتنفيذ القرار رقم 425، وحدد الاطار العام لرؤيتها بخصوص مضمونه وشروط تنفيذه. وورد في الحديث ان البديل للوضع القائم في جنوب لبنان هو التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى انتشار الجيش اللبناني وبسط مسؤوليته على الجنوب، "للحفاظ على سلامة الجليل وضمان امن افراد جيش لبنان الجنوبي والمواطنين في المنطقة الامنية".
وقال مردخاي: "من اجل اخراج جيش الدفاع "الاسرائيلي" من لبنان لا بد من اعادة السلام والامن الدولي، كما نص عليه القرار، وانا شخصيا اعرف واحدا لتحقيق هذا الهدف وهو منع الارهاب ووقف دائرة العنف ووقف العمليات ضد "اسرائيل" من الاراضي اللبنانية وتوفير الظروف والمناخ الملائمين لضمان حياة طبيعية وعلاقات حسن الجوار على جانبي الحدود وتعاون مشترك بين جيش الدفاع والجيش اللبناني لمكافحة الارهاب والعنف". ونفى مردخاي ان تكون لدى "اسرائيل" مطامع في اراضي لبنان ومياهه، وقال: "نحن مستعدون للتوصل حتى مع حكومة لبنان، بدعم سوري، إلى ترتيبات امنية انتقالية، حتى اذا كانت غير مندرجة في اطار اتفاقية سلام شاملة. ولم يستبعد مردخاي اشراك قوات دولية في تنفيذ الترتيبات الامنية التي يتم الاتفاق عليها، والتي "يجب ان تتضمن وقفا نهائيا للاعمال الارهابية ضد "اسرائيل" من الاراضي اللبنانية، وتفكيك البنية التحتية للمنظمات الارهابية، وضمان سلامة افراد جيش لبنان الجنوبي والمواطنين اللبنانيين في المنطقة الامنية وفي منطقة جزين".
ونظرا للشقاق داخل حكومة نتنياهو، فقد توالت ردود الفعل على تصريح مردخاي، مما جعله يبدو وكأنه موقف شخصي، لا يعبر عن سياسة حكومية معتمدة. وسارعت وزارة الخارجية، على لسان مستشارها القانوني، إلى اصدار توضيح (الحياة،12/1/1998) اكد فيه على مطالب "اسرائيل" من الحكومة اللبنانية كشروط لالتزامها تنفيذ الانسحاب من الشريط الحدودي المحتل. وفيما كرر ما ورد في تصريح مردخاي، فقد اكد على النقاط التالية: "ان اقرار السلام والامن الدوليين يتطلب من لبنان واسرائيل معا، ومن كل منهما على حدة، التعاون والتنسيق على جانبي الحدود لمنع الارهاب والعنف والفوضى، وادامة الاتصال بين قواتهما واجهزتهما الامنية، اضافة إلى علاقات حدودية بين البلدين، كل ذلك بمساعدة القوة الدولية… ان سلم الامر الواقع الذي سيقوم تنفيذا للقرار بكل عناصره يفتقر إلى خصائص رسمية مثل الاعتراف المتبادل، او الشكل النهائي للحدود بينهما، واقامة علاقات سلمية طبيعية في المجالات المدنية بين البلدين… ان اهداف: التأكد من انسحاب القوات "الاسرائيلية"، واعادة السلام والامن الدوليين، ومساعدة حكومة لبنان في تأمين عودة سلطتها الفعلية إلى المنطقة، ليست خيارات، بل هي متتابعة ومعتمدة بعضها على بعض، وعدم تنفيذ أي عنصر منها يؤدي إلى عدم تنفيذ العناصر الاخرى، ويهدم التوازن الذي يرسمه القرار… ويفترض ان يتم البحث في هذه العناصر في مفاوضات رسمية بين "اسرائيل" ولبنان". وبموازاة توضيح المستشار القانوني لوزارة الخارجية، اودع (27/1/1998) الممثل الدائم لـ"اسرائيل" لدى الامم المتحدة، دوري غولد، الامانة العامة للامم المتحدة رسالة موجهة من حكومته إلى الامين العام، كوفي انان، اعتبرت اول وثيقة رسمية "اسرائيلية" تعترف بالقرار رقم 425، ولكن بقراءة "اسرائيلية" لمضمونه وشروط تنفيذه.
وفي زحمة التصريحات والتوضيحات والردود المتباينة، عاد مردخاي (الحياة،4/2/1998) ليعلن ان حكومته مستعدة "لتنفيذ القرار الدولي رقم 425 باتفاق بن جيشينا او اجهزتنا الامنية تدعمه دول اجنبية او أي قوة يمكنها ان تضمن التزامه". وتبديدا لاية شكوك في صدقيته، اكد مردخاي انه يتحدث "نيابة عن وزارة دفاع "اسرائيل" وحكومتها، وانه يعرض اقتراحا رسميا هدفه انسحاب القوات "الاسرائيلية" من جنوبي لبنان". وقال مردخاي: "اذا رغبت سورية في ان تتقدم وتبحث في الموضوع اللبناني معنا بنفسها، فاننا مستعدون لذلك ايضا".
ومن جانبه، القى منسق الانشطة "الاسرائيلية" في لبنان، اوري لوبراني، مزيدا من الضوء على الموقف "الاسرائيلي" (الحياة،13/2/1998) فقال: "نريد ايجاد حل لا يكون له أي بعد سياسي على الاطلاق… بل يتعلق بالقضية الامنية فقط لا بديل من وجود ترتيبات امنية انتقالية او مرحلية حتى يأتي وقت نتوصل إلى اتفاق سلام، وهذا مستحيل من دون سلام مع سورية، وهذا واقع نقبله… ان "اسرائيل" لن تربط بين انسحابها وبقاء القوات السورية في لبنان… القرار 425 يتضمن عنصرين: اولا انسحاب "اسرائيل"، وثانيا اتخاذ ترتيبات لتمكيننا من تنفيذ هذا الانسحاب…". وفي حديث آخر (الاهرام،18/5/1998) اكد لوبراني ان لا انسحاب من دون ترتيبات امنية. ومن هذه الترتيبات نزع سلاح حزب الله والمنظمات الفلسطينية، وحماية الميليشيات المتعاونة في الجنوب من أي عقاب. وبصرف النظر عن الدعاوى "الاسرائيلية"، فالواضح ان اعلان حكومة نتنياهو استعدادها للانسحاب من الجنوب اللبناني وفقا لقرار مجلس الامن رقم 425، لا يعدو كونه تمرينا في العلاقات العامة. فالشروط التي وضعتها على تنفيذ مضمون القرار هي بالفعل نقاط الخلاف مع حكومة لبنان في مفاوضات التسوية، التي لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق حولها. ولكنها بزج ذكر هذا القرار في الخطاب السياسي المتداول في المفاوضات، ارادت حكومة نتنياهو خلق الوهم بانها قدمت تنازلات مغريا لحكومة لبنان، التي تصر على تطبيق ذلك القرار نصا وروحا، ودون قيد او شرط. ومن جهة اخرى، فقد رمت إلى اعطاء الانطباع الزائف بانها قامت بايماءة حسن نية تجاه مجلس الامن، الذي لا دور له في مفاوضات التسوية، والتي تدور اسما على ارضية القرارات التي اصدرها هو.
وفي تاريخ مناسب للحدث ( 1 نيسان 1998)، اصدر مجلس الوزراء "الاسرائيلي" المصغر لشؤون الخارجية والامن بيانا اعلن فيه قرار الحكومة تبني موقف "وزير الدفاع" مردخاي بالنسبة إلى مسار المفاوضات اللبناني. وعلى الرغم من ان المجلس الوزاري كان يعلم رفض حكومة لبنان للطرح "الاسرائيلي" الجديد، فقد تقدم به لاحراج تلك الحكومة، وفي محاولة لاثارة المعارضة اللبنانية ضدها، خاصة بسبب التزامها وحدة المسارين، اللبناني والسوري، في مفاوضات التسوية. وجاء في البيان: "(1) تعلن "اسرائيل" قرارها قبول قرار مجلس الامن الدول رقم 425، بحيث يخرج الجيش "الاسرائيلي" من لبنان مع ضمان ترتيبات امنية ملائمة، واعادة السيطرة الفعلية في الجنوب اللبناني إلى الحكومة اللبنانية، المسؤولة عن ضمان عدم استعمال اراضيها قاعدة للارهاب ضد "اسرائيل". (2) سيواصل الجيش "الاسرائيلي" نشاطاته في المنطقة الامنية ضد التهديدات الارهابية، إلى حين التوصل إلى الترتيبات الامنية الضرورية لـ"اسرائيل". (3) تدعو الحكومة "الاسرائيلية" الحكومة اللبنانية إلى البدء بمفاوضات، وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 425، من اجل اعادة سيطرة الحكومة اللبنانية على المناطق الموجودة حاليا تحت سيطرة الجيش "الاسرائيلي"، مع منع نشاطات ارهابية من ان تنطلق من اراضيها ضد الحدود الشمالية لـ"اسرائيل". (4) ترى "اسرائيل" في ضمان امن وسلامة سكان المنطقة الامنية في الجنوب اللبناني وجنود جيش لبنان الجنوبي جزءا لا يتجزأ من تطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 425 ومن كل ترتيبات لاعادة الامن على حدودنا مع لبنان. (5) ستواصل "اسرائيل" جهودها من اجل التوصل إلى تسويات سلمية مع جميع جيرانها". (هآرتس،2/4/1998، نقلا عن "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 35 صيف 1998،ص 233). وبعد اصدار البيان الحكومي، عقد نتنياهو مؤتمرا صحافيا، توسع من خلاله في شرح اهداف حكومته من هذا البيان. واكد ان المسألة تتجاوز مجرد التصريح، وان "اسرائيل" جادة فيما تطرح، وان الامر لا يشكل التفافا على مسارات اخرى، في اشارة منه إلى المحادثات والسلطة الفلسطينية. (هآرتس،2/4/1998).
وكالعادة في "اسرائيل"، ما ان تقدمت الحكومة بمشروعها للتفاوض مع الحكومة اللبنانية على الانسحاب من الشريط الحدودي بناء على قرار مجلس الامن رقم 425، حتى طرحت مشاريع مخالفة، يدعو اصحابها فيها إلى الانسحاب من جانب واحد، دون مفاوضات مرتهنة بالموقف السوري، او من شأنها اقحام الامم المتحدة في العملية. وقد برز بين هذه المشاريع اثنان: احدهما من بنات افكار وزير البنى التحتية في حكومة نتنياهو، اريئيل شارون، والثاني من صناعة يوسي بيلين، عضو الكنيست البارز من حزب العمل، الذي لم يكن له موقف موحد من هذه المسالة. وكان الجنرال يسرائيل طال، معاون وزير الدفاع يتسحاق مردخاي، قد تقدم بطرح مماثل في لقاء له مع اعضاء بارزين في "المجلس من اجل السلام والامن"، قال فيه: "لقد آن الاوان لتغيير الاستراتيجية فالمنطقة الامنية لا تؤدي وظيفتها في منع اطلاق صواريخ الكاتيوشا على مستوطناتنا، وعلى اية حال فان ذلك لم يكن القصد منها. فالمنطقة الامنية انشئت لمنع الهجمات باسلحة اخرى على المستوطنات الحدودية، وكذلك التسلل إلى "اسرائيل". وهذا يمكن منعه من خلال حدود دولية". واضاف طال: "اليوم ايدينا مكتوفة، وحزب الله يستغل الحماية التي تقدمها له القوى، بينما نحن، لاسباب اخلاقية وسياسية، لا نستطيع شن الحرب في اماكن سكنية مأهولة. واذا اعدنا الانتشار، فاننا نتجنب وضع المحتلين، ونحيد المعارضة الدولية، حتى وان اضطررنا إلى ضرب القوى". واقترح طال الانسحاب من موقع القوة، دون محاولة الحصول إلى موافقة سوريا، وقال: "انا لا استطيع القبول بشرعنة الموقف السوري القاضي بانزال الخسائر بنا عن طريق طرف ثالث من اجل ان نفعل ما يريدون منا". وعارض طال نشر قوات دولية في المنطقة الامنية قائلا: "القوات الاجنبية لا تضمن حرية الحركة. وعلينا ان نطالب لبنان بمنع الاستفزاز. والا، فاننا اقوياء بما يكفي للرد بشدة". وخلص طال إلى القول: "يجب انهاء حرب العصابات التي نشنها في لبنان، والتي هي حرب بالاختيار. وعلينا ان نتصرف مع الاعمال العدائية المستمرة في لبنان، وردنا عليها، باعتبارها حربا لاخيار لنا فيها". (عكيفا الدار، هآرتس،16/3/1998).
وعلق زئيف شيف (هآرتس،15/3/1998) على اقتراح شارون الانسحاب المتدرج من جانب واحد من الجنوب اللبناني، معللا دوافعه واهدافه السياسية بقوله: "اولا، التوصل سريعا، قبل تصاعد الضغط الشعب على الحكومة، إلى الفصل بين مسألتي جنوب لبنان ومرتفعات الجولان. والنتيجة الطبيعية هي ان مبادرة "اسرائيل" إلى الانسحاب ضرورية قبل ان تتقدم الولايات المتحدة وفرنسا بخطط تشبك القطاعين. وهدف شارون الثاني هو نسف مقترحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، "ووزير الدفاع" يتسحاق مردخاي، اللذين يبحثان عن حل لورطة لبنان في اطار قرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة رقم 425، والصادر سنة 1978. وهذا ينطوي على مفاوضات بشأن ترتيبات امنية قبل الانسحاب". وبالفعل، فان شارون ينطلق في مشروعه من انه اذا جرى قبوله فسيؤدي إلى تأخير المفاوضات على المسار السوري، وبالتالي، سد الطريق على مسألة الانسحاب من الجولان، كما تطالب سورية. وكذلك، ودرءا للتدخل السوري، كان شارون مستعجلا، للانسحاب بدون مفاوضات حول الترتيبات الامنية. وفي مشروعه، لم يرد شارون على ذكر أي دور اميركي، او تدخل للامم المتحدة. ولكنه في المقابل، شدد على الرد بعنف اذا استمر حزب الله بقصف مستوطنات الشمال او مواقع الجيش "الاسرائيلي" على الحدود. وكان طبيعيا ان يتعرض مشروع شارون إلى النقد الشديد من جانب قيادة الجيش ووزارة الدفاع. واختتم شيف كلامه بقوله: "وفوق ذلك، فان دمشق وبيروت وحزب الله سيسألون انفسهم: اذا كانت مرجعية امنية مثل شارون تقترح انسحابا من جانب واحد، فلماذا عناء المفاوضات حول الترتيبات الامنية".
وتناول وان كسليف (هآرتس،17/3/1998) مشروع شارون في مقال بعنوان "دعونا نخرج من الورطة"، فقال : "يصعب جدا تأييد اية مبادرة سياسية يتقدم بها آريئيل شارون. فكما علمتنا التجربة، يكن وراء هكذا مبادرة، مهما بدت معقولة حافز شخصي: مهاجمة خصومه و/او تحسين منزلته السياسية الخاصة. ومن الصعب بشكل خاص تأييد اية مبادرة يقدمها بالنسبة إلى لبنان. فشارون هو الشخص الذي كان مسؤولا، قبل 16 سنة، عن تغطيسنا إلى رقابنا في المستنقع اللبناني، الامر الذي لم نستطع الفكاك منه إلى اليوم. من الممكن انه، حتى بدون شارون وحملته "سلامة الجليل" (كما تسمى الحرب في لبنان تكرارا)، كان حزب الله سيقوم على حدودنا الشمالية ايضا. الا انه، اكثر من أي شخص آخر، يمكن ان تنسب إلى شارون ابوة هذا التنظيم. وهناك كل سبب للافتراض في هذه المرة كذلك، ان الحافز الرئيسي لمبادرة وزير البنى التحتية القومية بشأن لبنان، الذي استطاع بصعوبة ان يحشر نفسه في حكومة نتنياهو عندما جرى تشكيلها، هو زيادة وزنه في المطبخ الوزاري ازاء كل من وزير الدفاع ورئيس الحكومة. وقد يكون هذا هو السبب وراء استعراضه العلني لاقتراحه بالنسبة إلى المسالة اللبنانية، في الوقت الذي يقوم يتسحاق مردخاي وبنيامين نتنياهو بعمل شاق للحصول على تأييد دولي لخطتهم. ويركز شارون الضوء على خطته باسلوبه المتميز بفجاجته، قبل طرحه في أي منتدى حكومي". واذ يؤكد كسليف على الاجماع "الاسرائيلي" للخروج من لبنان، فانه لا يرى امكانية تحقيق ذلك بدون موافقة سورية، الامر الذي يتطلب التوصل إلى تسوية معها. ولكنه لا يرى حصول ذلك في ظل حكومة نتنياهو، لانها غير مؤهلة لاتخاذ هكذا قرار بسبب تركيبتها، والاقدام عليه يعني بالضرورة سقوطها. ومن هنا، يرى كسليف ان الخيارات المفتوحة امام حكومة نتنياهو هي : اما استمرار الوضع الراهن، واما الانسحاب من جانب واحد، وعندها لا فرق كبير بين خطة شارون وخطة يوسي بيلين. وهو يجزم انه ليست هناك "طريقة حسنة" للخروج من "المستنقع اللبناني" افضل من تلك التي ظلت مفتوحة امام الاميركيين في فيتنام.
وغداة تبني حكومة نتنياهو خطة وزير دفاعها بالانسحاب بناء على قرار مجلس الامن رقم 425، طرح عضو الكنيست يوسي بيلين (العمل) خطته للانسحاب من لبنان من جانب واحد، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في تل ابيب (2/4/1998). ونقلت ميخال يودلمان (جيروزاليم بوست،2/4/1998) عن بيلين، الذي يرئس "حركة الانسحاب من لبنان بسلام"، امتداحه للحكومة على قبول قرار مجلس الامن رقم 425، ولكنه قال: "الطريق العملي الوحيد للخروج من لبنان ـ طالما لا يوجد اتفاق مع سوريا ولبنان ـ هو الانسحاب من جانب واحد، ولكن مع تصور واضح لما سيحدث في المنطقة التي نخليها. وخلاف ذلك سنجد انفسنا عالقين في لبنان لسنوات كثيرة قادمة". واضاف بيلين ان اقتراح "وزير الدفاع" للانسحاب ينطوي على مفاوضات واتفاقات لاحظ لها بالتحقق. وعن مشروع شارون بالانسحاب على مراحل قال: "ان ذلك يعني ان أي ولد على حمار يحمل كاتيوشا يستطيع نسف الخطة كلها". وقد اعد بيلين خطته خلال سنة من الدراسة، بمساعدة العميدين (احتياط)، آشر سدان ويوناتان ليرنر. وهي تدعو إلى الانسحاب إلى الحدود الدولية مع لبنان، واقامة جدار الكتروني متطور، ومزود باجهزة رادار، تبلغ تكلفته حوالي مليار دولار. والخطة لا تستند إلى اتفاقات رسمية، ولكنها ترتكز على تفاهم مع الامم المتحدة، ومع الولايات المتحدة واوروبا، وربما اليابان ايضا. وعندما ينسحب الجيش "الاسرائيلي"، يعدل مجلس الامن القرارين 425 و 426، ويعيد تحديد مهمة قوات الامم المتحدة في لبنان (يونيفل)، بحيث تمنع مقاتلي المقاومة اللبنانية من الوصول إلى الحدود. وينتشر الجيش اللبناني في المنطقة التي يخليها الجيش "الاسرائيلي"، ولا يسمح لحزب الله بالعمل منها، واضاف بيلين قائلا: "ستوضح الولايات المتحدة، وربما معها اوروبا واليابان، إلى سورية بان حركة "اسرائيل" الاحادية الجانب ليست موجهة ضدها، وانها اذا بادرت إلى العنف ضد "اسرائيل"، مباشرة او مداورة، فانها ستعتبر دولة خارجة على القانون".
لم تكن خطة بيلين تعبر عن اجماع في حزب العمل حول طريقة الانسحاب من لبنان، حيث انقسم نوابه في الكنيست بين مؤيد ومتحفظ ومعارض. "وكان من كبار مؤيديه اعضاء الكنيست: شمعون بيرس، موشيه شاحال، حاييم رامون، شيفاخ فايس، اضافة إلى اعضاء الكنيست الاعضاء في "حركة الانسحاب من لبنان بسلام" ديدي تسوكر، ياعيل دايان، نسيم زفيلي. اما ابرز المعارضين فهم : رئيس الحزب عضو الكنيست ايهود باراك، واعضاء الكنيست ابراهام شوحط، عوزي برعام، ميخا غولدمان وغيرهم. واوردت (هآرتس،3/3/1998) ملخصا لمواقف القادة الرئيسيين كما ظهرت في اجتماع كتلة حزب العمل في الكنيست. فقد اقترح شمعون بيرس ان توافق "اسرائيل" على قرار مجلس الامن رقم 425، وان تعمل لتأليف لجنة يشترك فيها ممثلون عن "اسرائيل" وسورية ولبنان والولايات المتحدة وفرنسا، تكون مسؤولة عن تطبيق نتائج (تفاهمات) "عناقيد الغضب". وقال عضو الكنيست نسيم زفيلي انه فوجئ، في اثناء زيارة قام بها مع اعضاء "حركة الانسحاب من لبنان بسلام" للمنطقة الحدودية، "بالانفتاح الذي ابداه ضباط رفيعو المستوى فيما يتعلق بالرغبة في ايجاد حلول اخرى لانتشار الجيش "الاسرائيلي" على الحدود الشمالية". وايد موشيه شاحال وحاييم رامون "الدفاع عن شمال البلاد من الحدود الدولية". وقال رامون: "يتبين من معلومات ادلي بها في اجتماع لجنة الخارجية والامن في الكنيست ان النفقات الي تخصص لحماية جنود الجيش "الاسرائيلي" في الجنوب اللبناني تعادل ثمن اقامة جدار امني متطور للغاية". وكان افرايم سنيه، الذي خدم سابقا في قيادة القوات "الاسرائيلية" العاملة في لبنان، من اشد المعارضين لخطة بيلين.
وبالفعل، فقد هاجم عضو الكنيست سنيه (حزب العمل) خطة بيلين، وشرح موقفه في مقال كتبه في "يديعوت احرونوت" (19/3/1998) جاء فيه: "اليوم يقترح وزراء من الحكومة وشخصيات من المعارضة اعادة الوضع إلى ما كان عليه حتى (آذار 1978) لا شيء سوى ان العدو اصبح اصعب مراسا واشد خطرا، ذلك لان مخربي حزب الله حلوا محل مخربي م.ت.ف. انهم اكثر احترافا، واشد تصميما، واكثر تصورا. وهم شيعة ابناء المنطقة وليسوا فلسطينيين غرباء عنها، ويتمتعون بدعم مكثف وتوجيه من ايران… ان الذين يروحون لصيغ الانسحاب من لبنان من دون تسوية يعلمون ان حكومة لبنان وجيشه غير قادرين على كبح حزب الله . فما هو دافعهم اذا؟ اهو الرغبة في تحقيق انجاز دعائي فوري؟ اهو عدم القدرة على القول الحقيقة للشعب : انه من دون اتفاق مع سورية لاخيار سوى الاستمرار في محاربة حزب الله؟ اهو وهن القدرة على الصمود؟ اهو الرغبة في التستر على تدمير التفاهم مع الفلسطينيين وعلى ما يمكن ان يحدث في المناطق نتيجة ذلك؟ اهو الرغبة في تجنب مفاوضات شاملة مع سورية؟ ام لهذا كله مجتمعا؟ ان من يهرب من لبنان من دون تسوية حقيقية مع السوريين، ومن دون تجريد حزب الله من سلاحه، سيعيد الوضع إلى الحدود الشمالية إلى ما كان عليه قبل "عملية الليطاني". سوف يضطر الجيش "الاسرائيلي" إلى دخول لبنان مجددا، بقوة كبيرة، من دون ان يكون له حليف بين سكان الجنوب. وسيكلف ذلك ثمنا مرتفعا من الدماء. اذا ما تذكرنا دروس "عملية الليطاني" فلن نضطر إلى احتلال مارون الرأس مرة ثانية". وتجدر الاشارة إلى ان الجيش "الاسرائيلي" واجه مقاومة فلسطينية عنيفة في مارون الراس اثناء "عملية الليطاني" (1978)، وهو ما حذر منه سنيه (انظر اعلاه: "عملية الليطاني"). وواضح ان سنيه قريب جدا في موقفه من الانسحاب من رئيس الحزب ايهود باراك، الذي يركز على التفاهم والاتفاق مع سورية في هذا الشأن.
ونقلت صحيفة هآرتس (3/3/1998) عن باراك تحذيره من ان "انسحابا من جانب واحد من لبنان سيعرض سكان الشمال للخطر وسيوحي بالضعف…". واكد باراك عدم صحة القول بان الجيش "الاسرائيلي" سيتمتع بحرية العمل بعد الانسحاب، وذكر انه يرى ضرورة الاتفاق مع طرف في الجانب المقابل، "يضمن لنا انه لن يكون هناك ارهاب ينطلق من المناطق التي سيخليها الجيش "الاسرائيلي" بصورة متدرجة". واقترح باراك ان يجلو الجيش "الاسرائيلي"، اولا، عن مناطق بعيدة عن حدود "اسرائيل" الدولية، تستولي عليها فورا قوة لبنانية، سيتخذ قرار بشأن مواصلة الانسحاب. "يجب ان تمنح هذه الخطوة ضوءا اخضر سوريا، سواء من تحت الطاولة او من فوقها. في نهاية المطاف، فان العنوان لاي اتفاق في لبنان هو سورية" (هآرتس 22/3/1998). وقد ظل باراك يتمسك بموقفه القاضي بضرورة الانسحاب ضمن اتفاق مع سورية حتى بعد ان تولي رئاسة الوزارة، واستمر في مراهنته على امكان تحقيق ذلك حتى بعد فشل قمة جنيف بين الرئيسين، الاسد وكلنتون (29/3/2000).
وتجدر الاشارة إلى ان القيادة العليا للجيش "الاسرائيلي" ظلت لاسبابها الخاصة، ترفض دعوات الانسحاب الاحادي الجانب من لبنان، وتتغطى بالتقارير الاستخبارية التي تفيد ان حزب الله سيستمر في هجماته على المستوطنات "الاسرائيلية"، حتى بعد الانسحاب من الشريط الحدودي المحتل. وحتى عندما تصاعدت هجمات المقاومة الاسلامية، وتزايد عدد القتلى من جنود الجيش "الاسرائيلي"، سواء في اثناء الدوريات التي كانوا يقومون بها، او في المواقع المحصنة التي يتمترسون فيها، ظلت قيادة ذلك الجيش على موقفها. وبينما ادخلت تعديلات على تكتيك العمليات التي تقوم بها وحدات مختارة من الجيش، وعززت تحصين المواقع التي يرابط فيها جنود الاحتلال، فقد نقلت جيروزاليم بوست (13 نيسان 1999) عن رئيس اركان الجيش، شاؤول موفاز، قوله: "لست متأكدا من اننا نستطيع تقديم نفس الامن لسكان الشمال، او تقديم امن بنفس الثمن، اذا كنا سننسحب. وثمن الخطأ صعب جدا، وسيكون ثمنا باهظا اضافيا اذا قررنا الانسحاب". والاكيد ان قيادة الجيش "الاسرائيلي" ظلت تعتبر الانسحاب تحت ضغط المقاومة الاسلامية هزيمة، لا يمكن القبول بها من دون غطاء سياسي يبررها، مثل التوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية، او حتى مع سورية، على ترتيبات امنية، تشكل علة للانسحاب. وبالفعل، فانه بعد فشل حكومة نتنياهو في جر لبنان إلى مفاوضات حول تنفيذ القرار رقم 425، وطرح فكرة الانسحاب من جانب واحد، بدلا من خطة وزير الدفاع مردخاي، اعترضت قيادة الجيش على هذه الفكرة، وفرضت على الحكومة التراجع عنها.
ومهما يكن، فان الحكومة اللبنانية برفضها التعامل مع خطة حكومة نتنياهو قد كفت الساحة السياسية "الاسرائيلية" المزيد من الجدل الداخلي حول هذه الخطة كسبيل للخروج من الورطة اللبنانية. "فقد اعتبرت تلك الحكومة المبادرة "الاسرائيلية" فخا وخدعة الغرض منها فصل المسارين اللبناني والسوري، واحداث فتنة داخلية في لبنان. وتمترس المسؤولون اللبنانيون عند مقولة صارت شعارا: اذا كانت "اسرائيل" جادة في تنفيذ القرار 425 فلتنسحب كما دخلت من دون استئذان. فالقرار الدولي ينص عل انسحاب كامل وفوري من دون قيد او شرط او مفاوضات" (سويد، المصدر السباق، ص 69). وفي موقفها هذا، كانت الحكومة اللبنانية على توافق تام مع الموقف السوري، كما جاء على لسان الرئيس حافظ الاسد في حديث إلى التلفزة الفرنسية في تموز 1998، حيث قال: "دخل "الاسرائيليون" بدون رأي لبنان ويستحسن الان ان يخرجوا مثلما جاؤوا… واذا حدث ذلك وخرجوا بدون شروط فسيؤيده سورية ايضا، والمهم ان يطبق القرار بدون تحميله اشياء ليست فيه… ونحن ولبنان بيننا اشياء كثيرة متداخلة وبيننا اتفاقات ومعاهدات ونحن نعتبر اننا شعب واحد في بلدين (السفير،16/7/1998). وكان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، قد ادلى بتصريح لصحيفة النهار البيروتية (3/4/1998) جاء فيه: "الحل الوحيد والمنطقي هو الانسحاب من دون قيد او شرط وترك مسؤولية الامن للبنانيين انفسهم حيث لن تكون هناك مشكلة في المنطقة المحتلة بعد انسحاب "اسرائيل"، اذ سيتعاون حزب الله مع الجيش اللبناني وقوات الامن الرسمية تعاونا كاملا حتى تحافظ تلك القوات على امن المنطقة". وفي حديث إلى صحيفة الاهرام المصرية (25/5/1998) قال نائب رئيس الجمهورية السورية عبدالحليم خدام، ما يلي: "هناك اجماع لبناني على رفض مشروع "لبنان اولا" وعلى وحدة المسارين والتعامل مع قضية السلام مع "اسرائيل" من خلال موقف واحد، خاصة بعد ان رأى اخواننا في لبنان النتائج السيئة للحلول المنفردة". واضاف خدام: "ان سورية ولبنان يرفضان الربط بين وجود القوات السورية في لبنان والاحتلال "الاسرائيلي"". وانتهى إلى القول: "اذا كانت "اسرائيل" تريد السلام بشكل جدي فعليها الالتزام باستئناف المفاوضات من حيث توقفت… بعد ذلك نبحث في تحقيق السلام الشامل والعادل".
ولأن مبادرة الحكومة "الاسرائيلية" جاءت في سياق حرب استنزاف حقيقية في الجنوب، فانه بالتوازي مع انسداد الافق امام نجاحها تصاعدت حدة الاشتباكات العسكرية، وبالتالي، زيادة الخسائر البشرية "الاسرائيلية"، وما يترتب عليها من تململ داخل جمهور المستوطنين في "اسرائيل". وبينما كانت حركة الاحتجاج على استمرار الوجود العسكري في لبنان تتصاعد في "اسرائيل"، كانت الاوساط السياسية المختلفة تطرح خيارات عسكرية وسياسية متنوعة منها: التهديد بضرب اهداف رئيسية في البنية التحتية (جسور، طرقات، شبكة الكهرباء، شبكة المياه، الخ) التي اعاد لبنان بناءها بعد الحرب…، ضرب اهداف سورية في لبنان او في سورية نفسها، تنفيذ عمليات قصف شديد وغارات شمالي المنطقة المحتلة في الجنوب، على غرار عملية "تصفية الحساب) او عملية "عناقيد الغضب"، توسيع "حزام الامن" ليشمل كل الاراضي الواقعة جنوبي نهر الليطاني. وهذه خيارات محفوفة بمخاطر التصعيد المقابل: من اطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة حتى الصدام العسكري مع سورية، وبالتالي، تكبد المزيد من الخسائر البشرية من دون التأكد من تحقيق الهدف: انهاء المقاومة. ولذلك، اخذت المناقشات "الاسرائيلية" منحى آخر مثل: تقليص جبهات المواجهة (والمخاطر) بالانسحاب من منطقة جزين وغيرها من المواقع المتقدمة النائية، وفي المقابل، ابقاء الوضع على حاله مع ضبط التصعيد والحد من الخسائر البشرية وتنفيذ عمليات خاصة تعتمد على التفوق التكنولوجي، وهو الخيار المفضل على قيادة الجيش. ويبقى الخيار الاخير، الذي رفضته القيادة العسكرية، مع ان عددا من وزراء حكومة نتنياهو ايدوه، وهو الانسحاب من طرف واحد، بعد تنفيذ عملية عسكرية نوعية ضد لبنان وسوريا، او على الاقل توجيه انذار جدي جدا إلى سورية عن طريق الولايات المتحدة واوروبا (وربما بعض الزعماء العرب). ومع تزايد الخسائر البشرية "الاسرائيلية"، تنامى التأييد لخيار الانسحاب من طرف واحد، سواء داخل حكومة نتنياهو او خارجها، ولكن قيادة الجيش ردعت الحكومة عن الايغال في هذا التوجه حتى سقوطها في انتخابات العام 1999.
لم تتابع حكومة نتنياهو مبادراتها التسووية على المسار اللبناني، والتفتت إلى المسار الفلسطيني تحت ضغط اميركي، الامر الذي ادى إلى سقوطها على ارضية اتفاق "واي بلانتيشن" وبالتالي الدعوة إلى انتخابات مبكرة، خسرها في مواجهة ايهود باراك. وقد اقال نتنياهو وزير الدفاع مردخاي، وعين موشيه آرنز بدلا منه. وكان هذا الاخير معارضا متزمتا للانسحاب من جانب واحد، ومن دعاة الرد العنيف على اعمال المقاومة اللبنانية. وتحت تأثير حملة الانتخابات، تحاشى آرنز توسيع رقعة المواجهة وتصعيد القتال، خشية ازدياد الاصابات في صفوف الجيش، وبالتالي، تصاعد الحملة من اجل الانسحاب من لبنان، التي قادتها "منظمة الامهات الاربع"، وانعكاس ذلك على خط نتنياهو في كسب المعركة الانتخابية.
ومنذ توليه مهام منصبه، لم يخف آرنز ضيقه بشروط "تفاهم نيسان"، التي اعتبرها مكبلة لايدي الجيش "الاسرائيلي"، بينما هي تمنح حرية العمل لمقاتلي حزب الله. ومع تصاعد العمليات العسكرية لحزب الله، رفع آرنز عقيرته بالوعيد ضد سورية ولبنان، وبالتهديد بضرب المرافق العامة والبنى التحتية اللبنانية، بما فيها ما اسماه "المصالح السورية في لبنان". ولكن ذلك لم يجدِهِ فتيلا، فقد تصدت المقاومة الاسلامية ببسالة للتكتيكات الجديدة التي ادخلها الجيش "الاسرائيلي" على استراتيجية نشاطه العسكري، الامر الذي اضطر آرنز إلى اصدار التعليمات إلى هيئة الاركان باعادة النظر في مجمل اساليب عمل الجيش في لبنان، وذلك بموازاة تغيير الخط السياسي للحكومة في التعامل مع المسألة اللبنانية، خاصة لناحية ابعادها السورية والايرانية. "والظاهر ان آرنز لم يكن راضيا عن المنظور التقليدي لجيش الدفاع "الاسرائيلي" من ان الوضع الراهن هو الاقل سوءا ضمن الخيارات المتاحة" (هآرتس،9/3/1999)، لقد اراد آرنز من هيئة الاركان اعادة تقويم الوضع العسكري والاستراتيجي للحرب في لبنان، وتقديم بدائل من الخيارات المتوفرة. ولكن، اخذاً في الاعتبار الاوضاع الداخلية في "اسرائيل"، والسياق الدولي العام المواكب لسيرورة القتال في ظل مفاوضات التسوية، فقد كانت الخيارات محدودة جدا.
وفي حديث إلى مراسلي وسائل الاعلام (8/3/1999)، بينما المعركة الانتخابية تحتدم، قال آرنز: "نحن في مسار من تفحص بدائل مختلفة. ان تأهب قوات جيش "الدفاع "الاسرائيلي"" الراهن لا يبدو صحيحا بالنسبة الي". وذكر آرنز ان التفحص سيشمل جميع الخيارات، بما فيها الانسحاب من طرف واحد، واضاف: "انا لست مقتنعا ان السبيل إلى التعامل مع المسألة اللبنانية هو بالضرورة من خلال المفاوضات. لدينا مشكلة في لبنان. الوضع الراهن بالنسبة إلى بنية المنطقة الامنية وطبيعة "تفاهمات عناقيد الغضب" يجب ان يقارن ببدائل اخرى. علينا ان نسأل انفسنا ما اذا كان هذا هو التأهب الافضل. وواضح بالنسبة إلي ان هذا ليس البديل الافضل". واوضح آرنز انه يشير إلى الانتشار الجغرافي كما إلى قوانين اللعبة. وقال ان هيئة الاركان والضباط في قيادة الشمال سيتفحصان معا الخيارات ويعدان التقرير، الذي سيقدمه رئيس هيئة الاركان شاؤول موفاز إلى "وزيرالدفاع". وستغطي الدراسة نشر قوات جيش "الدفاع "الاسرائيلي"" في لبنان، ونشاطه في "المنطقة الامنية"، وخيارات "اسرائيل" الاستراتيجية. وبالنسبة إلى آرنز: "فان لبنان ليس دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهووا قع تحت حكم سورية. هناك فقط تظاهر بانه بلد مستقل". ووصف آرنز التفاهم الذي تم التوصل اليه مع حزب الله (1996) بقوله: "انه عائق يحد من قدرات "جيش الدفاع "الاسرائيلي""، هناك غياب للتوازي على هذا الصعيد، اذ يمكن حزب الله من مهاجمة "جيش الدفاع "الاسرائيلي"" في المنطقة الامنية، حيث هو مكشوف. و"جيش الدفاع "الاسرائيلي"" يراقب وينصت إلى كلامه، والمعلومات عن نشاطه تنتقل عبر المواطنين". واشار آرنز إلى الصعوبة التي ينطوي عليها التخلي عن "تفاهم نيسان"، وذكر انه يفضل التفاوض مع سورية، وقال: "الا انه ليس هناك حظ للتوصل إلى اتفاق مع السوريين بدون تسليم الجولان بالكامل. ومن يقول غير ذلك يخدم نفسه والجمهور" (هآرتس،9/3/1999).
د. الياس شوفاني / مفكر فلسطيني
مقدمة:
يتابع المفكر الفلسطيني الياس شوفاني في هذه الحلقة، تتبع العوامل التي ادت إلى هزيمة "اسرائيل" في لبنان.
في هذه الحلقة، يرى شوفاني، ان "الاسرائيليين" وطوال سنوات حكم نتنياهو بين الاعوام 1996-1999 سعوا إلى ايجاد مخرج ملائم لهزيمتهم في لبنان، وذلك من خلال محاولة جر السلطات اللبنانية إلى معاهدة سلام معهم، او عبر الضغط على لبنان بالاعمال العسكرية المختلفة، او عبر الاعتراف بالقرار 425، وهو القرار الذي لم تعترف به "اسرائيل" منذ صدوره في العام 1978.
وحاولت "اسرائيل" ربط انسحابها من لبنان بعقد صفقة تسوية مع سوريا، تعمل فيها تل ابيب على وصل الانسحاب من الجنوب اللبناني بانسحاب جزئي من الجولان.
واذ فشلت "اسرائيل" في ذلك، فان اعمال المقاومة، كانت تشهد كثافة عالية وتصاعدا مستمرا، الامر الذي اسفر عن لجوء مجموعات ضغط "اسرائيلية" داخلية، كانت تنادي بالانسحاب من لبنان باي ثمن.
خلافا لما توقعته القيادة السياسية ـ العسكرية "الاسرائيلية" واجهزة استخباراتها، لم تتوقف المقاومة لجيش الاحتلال وحلفائه المحليين بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان (آب 1982). وبينما كان الجيش "الاسرائيلي" وعملاؤه يقترفون جريمتهم البشعة في مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين، كانت المقاومة المحلية قد بدأت . ثم ما لبثت هذه المقاومة ان توسعت لتصبح اطارا عريضا لكل القوى المشاركة في مقاومة الاحتلال. وقد بدأت المقاومة نشاطها ضد جيش الاحتلال في بيروت، ولاحقته وهو ينسحب على مراحل من منطقة إلى اخرى. وعندما انكفأت قوات الغزو "الاسرائيلي" إلى الجنوب وتمركزت في الشريط الحدودي، حاولت "اسرائيل" استمالة الطائفة الشيعية من خلال بعض الرموز، ولكنها فشلت، فتحولت إلى قمعها وقهرها، الامر الذي استثار جماهيرها، ودفعها إلى الانتفاض على الاحتلال. "واشتهر بين اشكال المقاومة انتفاض قرى بكاملها حيث واجه السكان الدوريات "الاسرائيلية" وقاتلوها بما ملكت ايديهم من اسلحة بدائية، كما جرى في قرى معركة وجبشيت والبيسرية والبازورية وبدياس وبرج رحال وطورا وانصارية وغيرها. ومارس رجال دين مجاهدون ادوارا رئيسية في حشد القرى وتجييشها في مواجهة الجيش المحتلِ، ومنهم من استشهد (السيد عباس الموسوي، الشيخ راغب حرب)، ومنهم من لا يزال معتقلا في سجون "اسرائيل" (الشيخ عبدالكريم عبيد). وفي 1 تشرين الاول 1983، اعلن الشيخ محمد مهدي شمس الدين، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى (آنذاك)، المقاومة المدنية الشاملة ضد الاحتلال فحرم التعامل مع "اسرائيل" شرعا، واعتبره خيانة وطنية. ودعا الى نبذ المتعاملين معها، والى التشبث بالارض، وبوحدة لبنان ارضا وشعبا ومؤسسات. (سويد" الجنوب اللبناني"، ص 31-33).
وسرعان ما برزت المقاومة الاسلامية، واحتكرت العمل العسكري ضد الاحتلال في الجنوب، ونجحت في ذلك لاسباب ذاتية وموضوعية، خاصة لناحية التركيبة السكانية في ذلك الجزء من لبنان، والتي تشكل الطائفة الشيعية الجزء الاكبر منها. اما على الصعيد الذاتي، فقد تميزت المقاومة الاسلامية منذ البداية بالعمليات الاستشهادية النوعية، وكان اكبر العمليات الاستشهادية التي تمت عبر السيارات المفخخة، والتي اوقعت اصابات كثيرة في صفوف قوات الاحتلال "الاسرائيلي" والقوات المتعددة الجنسيات هي:
1) تفجير مقر القوات الفرنسية في القوة المتعددة الجنسيات يوم 23/10/1982 ومقتل 56 شخصا.
2) تفجير مقر الحاكم العسكري في صور بتاريخ 11/11/1982 ومقتل 89 شخصا بينهم 76 عسكريا اسرائيليا.
3) تفجير مقر قيادة المارينز الاميركية في بيروت بتاريخ 23/10/1983 ومقتل 241 عسكريا اميركيا.
4) تفجير مقر قيادة القوات "الاسرائيلية" مرة اخرى في صور بتاريخ 4/11/1983 وسقوط 29 قتيلا وعدد مماثل من الجرحى.
وبعد فترة من الصراع بين حركة امل وحزب الله، استقرت الهيمنة شبه الكاملة لحزب الله على ساحة المقاومة في الجنوب. ففي ايار 1984، ظهر اسم حزب الله اول مرة في بيانات عن عمليات ضد جيش الاحتلال، بعد ان كانت العمليات تنسب إلى جبهة المقاومة، او إلى المجموعات التي تشكل منها حزب الله فيما بعد. وفي شباط 1985 وجه الحزب رسالة إلى المستضعفين حدد فيها رؤيته وبرنامجه السياسي.
وعن تنامي قوة حزب الله وتصاعد نشاطه العسكري يقول سويد: واستطاعت المقاومة الاسلامية وهي الجناح العسكري في حزب الله ان تطور امكاناتها البشرية والمادية بصورة اعترف بها كبار القادة العسكريين "الاسرائيليين"، وحولت العمل المقاومة إلى حرب استنزاف مكلفة تمسك فيها ـ على هذا المستوى ـ بزمام المبادرة، وتنعكس آثارها بصورة متزايدة على الوضع السياسي الداخلي في "اسرائيل"، وخصوصا في النقاش المستفيض بشأن جدوى بقاء القوات "الاسرائيلية" في الجنوب، ومصير قوات لحد في حال الانسحاب. كما ادت إلى استعجال الدعوة "الاسرائيلية" الراهنة إلى تنفيذ القرار 425 الصادر عن مجلس الامن في 19 آذار 1978، والمتعلق بترتيبات انسحاب الجيش "الاسرائيلي" من لبنان. واطلقت دعوات مقابلة لضرب الاقتصاد اللبناني وتدمير منشآت البنية التحتية: مهاجمة الجسور وشبكات المياه والكهرباء، كلما سقط جندي "اسرائيلي" في عمليات المقاومة. (المصدر السابق نفسه).
وبالفعل، فان تطور فعالية المقاومة الاسلامية، كما ونوعا، كان ظاهرة لافتة للنظر، الامر الذي اعترفت به قيادة الجيش "الاسرائيلي" قسرا. وكان اشد ما ضاقت ذرعا به هو استخفاف هذه المقاومة بما اعتقدته تلك القيادة من امتلاك جيشها ما يكفي من قوة الردع لفرض هيبته على مقاتلي المقاومة، وبالتالي، امساكه بزمام المبادرة في ادارة الصراع معهم. ولقد لعب هذا الاعتقاد الزائف دورا رئيسيا في قبول القيادة السياسية/ العسكرية "الاسرائيلية" بشروط تفاهم نيسان، حيث ظنت ان يدها ستكون هي العليا في المواجهة الميدانية مع مقاتلي المقاومة، الا انها سرعان ما اكتشفت سوء تقويمها للوضع، سواء لناحية امكانات جنودها، وحتى من وحدات النخبة، او لناحية قدرات مقاتلي المقاومة. "وقد لفت رئيس الاركان "الاسرائيلي"، الجنرال شاؤول موفاز، إلى التطور المتواصل لقدرات المقاومة الاسلامية على مستويي السلاح والخبرة القتالية، التي اضافت اليها في الاشهر الاخيرة تهديد المروحيات "الاسرائيلية" بالمضادات الروسية الصنع من عيار 57 ملم. وقال ان على المروحيات ان تبحث عن سبل جديدة للحد من الخطر الذي بدأت تتعرض له". (هآرتس،17/9/1998).
وكانت المقاومة الاسلامية نفذت عمليات اظهرت فيها تفوقا استخباراتيا، مثل الكمين الذي نصبته لوحدة كوماندوس بحري مختارة في انصارية (شمالي صور)، وادى إلى مقتل جميع افراد الوحدة (12 جنديا) ليلة 4-5/9/1997. كما اتقنت عمليات وضع الالغام وتفجيرها الكترونيا بالدوريات الليلية والنهارية، والتي كانت تصيب اهدافها بدقة، وهو ما يشير إلى الرصد المحكم لتنقلات القوات "الاسرائيلية" في المناطق المحتلة في الجنوب. كما نفذت عمليات احتلال مواقع، ومواجهات مباشرة اظهرت تدهور معنويات الجنود "الاسرائيليين" وفقدانهم المبادرة، مثل العملية التي قام بها مقاوم واحد عندما دخل الموقع "الاسرائيلي" في سجد واشتبك مع احد الجنود بينما اسقط في يد رفاقه في الموقع، وخروج المقاوم سالما (9/8/1998). وقد ادى الكثير من هذه العمليات إلى انتقادات في اوساط الجيش "الاسرائيلي"، والى تشكيل لجان للتحقيق في التقصير والاهمال (الحياة،12/8/1998).
وازاء فشلها في تطويع لبنان لارادتها، سواء بالوسائل السياسية على ارضية مفاوضات التسوية، او بالوسائل العسكرية على خلفية غزو لبنان وذيوله، "اكتشفت" القيادة السياسية/ العسكرية "الاسرائيلية" قرار مجلس الامن رقم 425، كوسيلة للخروج من ورطتها في لبنان. لقد جربت مختلف اشكال الضغط على لبنان سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا… الخ، وظلت خسائرها البشرية والمادية والمعنوية في تصاعد مستمر، فلجأت إلى توظيف القرار 425 في تحقيق هدفها بالانسحاب من الجنوب اللبناني، وتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عما يترتب على ذلك من عواقب. وفي طرحها الانسحاب على اساس هذا القرار، اعتبرت القيادة "الاسرائيلية" انها تقدم بذلك تنازلا كبيرا، كونها تبدي استعدادها لتنفيذه بعد 20 عاما على صدوره، مما حملها على وضع شروط مقابل ذلك، وكان "وزير الدفاع" في حكومة نتنياهو، يتسحاق مردخاي، اول من اعلن ذلك في حديث إلى مجلة "الوطن العربي" (العدد 1087،2/1/1998)، تضمن قبول "اسرائيل" بتنفيذ القرار رقم 425، وحدد الاطار العام لرؤيتها بخصوص مضمونه وشروط تنفيذه. وورد في الحديث ان البديل للوضع القائم في جنوب لبنان هو التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى انتشار الجيش اللبناني وبسط مسؤوليته على الجنوب، "للحفاظ على سلامة الجليل وضمان امن افراد جيش لبنان الجنوبي والمواطنين في المنطقة الامنية".
وقال مردخاي: "من اجل اخراج جيش الدفاع "الاسرائيلي" من لبنان لا بد من اعادة السلام والامن الدولي، كما نص عليه القرار، وانا شخصيا اعرف واحدا لتحقيق هذا الهدف وهو منع الارهاب ووقف دائرة العنف ووقف العمليات ضد "اسرائيل" من الاراضي اللبنانية وتوفير الظروف والمناخ الملائمين لضمان حياة طبيعية وعلاقات حسن الجوار على جانبي الحدود وتعاون مشترك بين جيش الدفاع والجيش اللبناني لمكافحة الارهاب والعنف". ونفى مردخاي ان تكون لدى "اسرائيل" مطامع في اراضي لبنان ومياهه، وقال: "نحن مستعدون للتوصل حتى مع حكومة لبنان، بدعم سوري، إلى ترتيبات امنية انتقالية، حتى اذا كانت غير مندرجة في اطار اتفاقية سلام شاملة. ولم يستبعد مردخاي اشراك قوات دولية في تنفيذ الترتيبات الامنية التي يتم الاتفاق عليها، والتي "يجب ان تتضمن وقفا نهائيا للاعمال الارهابية ضد "اسرائيل" من الاراضي اللبنانية، وتفكيك البنية التحتية للمنظمات الارهابية، وضمان سلامة افراد جيش لبنان الجنوبي والمواطنين اللبنانيين في المنطقة الامنية وفي منطقة جزين".
ونظرا للشقاق داخل حكومة نتنياهو، فقد توالت ردود الفعل على تصريح مردخاي، مما جعله يبدو وكأنه موقف شخصي، لا يعبر عن سياسة حكومية معتمدة. وسارعت وزارة الخارجية، على لسان مستشارها القانوني، إلى اصدار توضيح (الحياة،12/1/1998) اكد فيه على مطالب "اسرائيل" من الحكومة اللبنانية كشروط لالتزامها تنفيذ الانسحاب من الشريط الحدودي المحتل. وفيما كرر ما ورد في تصريح مردخاي، فقد اكد على النقاط التالية: "ان اقرار السلام والامن الدوليين يتطلب من لبنان واسرائيل معا، ومن كل منهما على حدة، التعاون والتنسيق على جانبي الحدود لمنع الارهاب والعنف والفوضى، وادامة الاتصال بين قواتهما واجهزتهما الامنية، اضافة إلى علاقات حدودية بين البلدين، كل ذلك بمساعدة القوة الدولية… ان سلم الامر الواقع الذي سيقوم تنفيذا للقرار بكل عناصره يفتقر إلى خصائص رسمية مثل الاعتراف المتبادل، او الشكل النهائي للحدود بينهما، واقامة علاقات سلمية طبيعية في المجالات المدنية بين البلدين… ان اهداف: التأكد من انسحاب القوات "الاسرائيلية"، واعادة السلام والامن الدوليين، ومساعدة حكومة لبنان في تأمين عودة سلطتها الفعلية إلى المنطقة، ليست خيارات، بل هي متتابعة ومعتمدة بعضها على بعض، وعدم تنفيذ أي عنصر منها يؤدي إلى عدم تنفيذ العناصر الاخرى، ويهدم التوازن الذي يرسمه القرار… ويفترض ان يتم البحث في هذه العناصر في مفاوضات رسمية بين "اسرائيل" ولبنان". وبموازاة توضيح المستشار القانوني لوزارة الخارجية، اودع (27/1/1998) الممثل الدائم لـ"اسرائيل" لدى الامم المتحدة، دوري غولد، الامانة العامة للامم المتحدة رسالة موجهة من حكومته إلى الامين العام، كوفي انان، اعتبرت اول وثيقة رسمية "اسرائيلية" تعترف بالقرار رقم 425، ولكن بقراءة "اسرائيلية" لمضمونه وشروط تنفيذه.
وفي زحمة التصريحات والتوضيحات والردود المتباينة، عاد مردخاي (الحياة،4/2/1998) ليعلن ان حكومته مستعدة "لتنفيذ القرار الدولي رقم 425 باتفاق بن جيشينا او اجهزتنا الامنية تدعمه دول اجنبية او أي قوة يمكنها ان تضمن التزامه". وتبديدا لاية شكوك في صدقيته، اكد مردخاي انه يتحدث "نيابة عن وزارة دفاع "اسرائيل" وحكومتها، وانه يعرض اقتراحا رسميا هدفه انسحاب القوات "الاسرائيلية" من جنوبي لبنان". وقال مردخاي: "اذا رغبت سورية في ان تتقدم وتبحث في الموضوع اللبناني معنا بنفسها، فاننا مستعدون لذلك ايضا".
ومن جانبه، القى منسق الانشطة "الاسرائيلية" في لبنان، اوري لوبراني، مزيدا من الضوء على الموقف "الاسرائيلي" (الحياة،13/2/1998) فقال: "نريد ايجاد حل لا يكون له أي بعد سياسي على الاطلاق… بل يتعلق بالقضية الامنية فقط لا بديل من وجود ترتيبات امنية انتقالية او مرحلية حتى يأتي وقت نتوصل إلى اتفاق سلام، وهذا مستحيل من دون سلام مع سورية، وهذا واقع نقبله… ان "اسرائيل" لن تربط بين انسحابها وبقاء القوات السورية في لبنان… القرار 425 يتضمن عنصرين: اولا انسحاب "اسرائيل"، وثانيا اتخاذ ترتيبات لتمكيننا من تنفيذ هذا الانسحاب…". وفي حديث آخر (الاهرام،18/5/1998) اكد لوبراني ان لا انسحاب من دون ترتيبات امنية. ومن هذه الترتيبات نزع سلاح حزب الله والمنظمات الفلسطينية، وحماية الميليشيات المتعاونة في الجنوب من أي عقاب. وبصرف النظر عن الدعاوى "الاسرائيلية"، فالواضح ان اعلان حكومة نتنياهو استعدادها للانسحاب من الجنوب اللبناني وفقا لقرار مجلس الامن رقم 425، لا يعدو كونه تمرينا في العلاقات العامة. فالشروط التي وضعتها على تنفيذ مضمون القرار هي بالفعل نقاط الخلاف مع حكومة لبنان في مفاوضات التسوية، التي لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق حولها. ولكنها بزج ذكر هذا القرار في الخطاب السياسي المتداول في المفاوضات، ارادت حكومة نتنياهو خلق الوهم بانها قدمت تنازلات مغريا لحكومة لبنان، التي تصر على تطبيق ذلك القرار نصا وروحا، ودون قيد او شرط. ومن جهة اخرى، فقد رمت إلى اعطاء الانطباع الزائف بانها قامت بايماءة حسن نية تجاه مجلس الامن، الذي لا دور له في مفاوضات التسوية، والتي تدور اسما على ارضية القرارات التي اصدرها هو.
وفي تاريخ مناسب للحدث ( 1 نيسان 1998)، اصدر مجلس الوزراء "الاسرائيلي" المصغر لشؤون الخارجية والامن بيانا اعلن فيه قرار الحكومة تبني موقف "وزير الدفاع" مردخاي بالنسبة إلى مسار المفاوضات اللبناني. وعلى الرغم من ان المجلس الوزاري كان يعلم رفض حكومة لبنان للطرح "الاسرائيلي" الجديد، فقد تقدم به لاحراج تلك الحكومة، وفي محاولة لاثارة المعارضة اللبنانية ضدها، خاصة بسبب التزامها وحدة المسارين، اللبناني والسوري، في مفاوضات التسوية. وجاء في البيان: "(1) تعلن "اسرائيل" قرارها قبول قرار مجلس الامن الدول رقم 425، بحيث يخرج الجيش "الاسرائيلي" من لبنان مع ضمان ترتيبات امنية ملائمة، واعادة السيطرة الفعلية في الجنوب اللبناني إلى الحكومة اللبنانية، المسؤولة عن ضمان عدم استعمال اراضيها قاعدة للارهاب ضد "اسرائيل". (2) سيواصل الجيش "الاسرائيلي" نشاطاته في المنطقة الامنية ضد التهديدات الارهابية، إلى حين التوصل إلى الترتيبات الامنية الضرورية لـ"اسرائيل". (3) تدعو الحكومة "الاسرائيلية" الحكومة اللبنانية إلى البدء بمفاوضات، وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 425، من اجل اعادة سيطرة الحكومة اللبنانية على المناطق الموجودة حاليا تحت سيطرة الجيش "الاسرائيلي"، مع منع نشاطات ارهابية من ان تنطلق من اراضيها ضد الحدود الشمالية لـ"اسرائيل". (4) ترى "اسرائيل" في ضمان امن وسلامة سكان المنطقة الامنية في الجنوب اللبناني وجنود جيش لبنان الجنوبي جزءا لا يتجزأ من تطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 425 ومن كل ترتيبات لاعادة الامن على حدودنا مع لبنان. (5) ستواصل "اسرائيل" جهودها من اجل التوصل إلى تسويات سلمية مع جميع جيرانها". (هآرتس،2/4/1998، نقلا عن "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 35 صيف 1998،ص 233). وبعد اصدار البيان الحكومي، عقد نتنياهو مؤتمرا صحافيا، توسع من خلاله في شرح اهداف حكومته من هذا البيان. واكد ان المسألة تتجاوز مجرد التصريح، وان "اسرائيل" جادة فيما تطرح، وان الامر لا يشكل التفافا على مسارات اخرى، في اشارة منه إلى المحادثات والسلطة الفلسطينية. (هآرتس،2/4/1998).
وكالعادة في "اسرائيل"، ما ان تقدمت الحكومة بمشروعها للتفاوض مع الحكومة اللبنانية على الانسحاب من الشريط الحدودي بناء على قرار مجلس الامن رقم 425، حتى طرحت مشاريع مخالفة، يدعو اصحابها فيها إلى الانسحاب من جانب واحد، دون مفاوضات مرتهنة بالموقف السوري، او من شأنها اقحام الامم المتحدة في العملية. وقد برز بين هذه المشاريع اثنان: احدهما من بنات افكار وزير البنى التحتية في حكومة نتنياهو، اريئيل شارون، والثاني من صناعة يوسي بيلين، عضو الكنيست البارز من حزب العمل، الذي لم يكن له موقف موحد من هذه المسالة. وكان الجنرال يسرائيل طال، معاون وزير الدفاع يتسحاق مردخاي، قد تقدم بطرح مماثل في لقاء له مع اعضاء بارزين في "المجلس من اجل السلام والامن"، قال فيه: "لقد آن الاوان لتغيير الاستراتيجية فالمنطقة الامنية لا تؤدي وظيفتها في منع اطلاق صواريخ الكاتيوشا على مستوطناتنا، وعلى اية حال فان ذلك لم يكن القصد منها. فالمنطقة الامنية انشئت لمنع الهجمات باسلحة اخرى على المستوطنات الحدودية، وكذلك التسلل إلى "اسرائيل". وهذا يمكن منعه من خلال حدود دولية". واضاف طال: "اليوم ايدينا مكتوفة، وحزب الله يستغل الحماية التي تقدمها له القوى، بينما نحن، لاسباب اخلاقية وسياسية، لا نستطيع شن الحرب في اماكن سكنية مأهولة. واذا اعدنا الانتشار، فاننا نتجنب وضع المحتلين، ونحيد المعارضة الدولية، حتى وان اضطررنا إلى ضرب القوى". واقترح طال الانسحاب من موقع القوة، دون محاولة الحصول إلى موافقة سوريا، وقال: "انا لا استطيع القبول بشرعنة الموقف السوري القاضي بانزال الخسائر بنا عن طريق طرف ثالث من اجل ان نفعل ما يريدون منا". وعارض طال نشر قوات دولية في المنطقة الامنية قائلا: "القوات الاجنبية لا تضمن حرية الحركة. وعلينا ان نطالب لبنان بمنع الاستفزاز. والا، فاننا اقوياء بما يكفي للرد بشدة". وخلص طال إلى القول: "يجب انهاء حرب العصابات التي نشنها في لبنان، والتي هي حرب بالاختيار. وعلينا ان نتصرف مع الاعمال العدائية المستمرة في لبنان، وردنا عليها، باعتبارها حربا لاخيار لنا فيها". (عكيفا الدار، هآرتس،16/3/1998).
وعلق زئيف شيف (هآرتس،15/3/1998) على اقتراح شارون الانسحاب المتدرج من جانب واحد من الجنوب اللبناني، معللا دوافعه واهدافه السياسية بقوله: "اولا، التوصل سريعا، قبل تصاعد الضغط الشعب على الحكومة، إلى الفصل بين مسألتي جنوب لبنان ومرتفعات الجولان. والنتيجة الطبيعية هي ان مبادرة "اسرائيل" إلى الانسحاب ضرورية قبل ان تتقدم الولايات المتحدة وفرنسا بخطط تشبك القطاعين. وهدف شارون الثاني هو نسف مقترحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، "ووزير الدفاع" يتسحاق مردخاي، اللذين يبحثان عن حل لورطة لبنان في اطار قرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة رقم 425، والصادر سنة 1978. وهذا ينطوي على مفاوضات بشأن ترتيبات امنية قبل الانسحاب". وبالفعل، فان شارون ينطلق في مشروعه من انه اذا جرى قبوله فسيؤدي إلى تأخير المفاوضات على المسار السوري، وبالتالي، سد الطريق على مسألة الانسحاب من الجولان، كما تطالب سورية. وكذلك، ودرءا للتدخل السوري، كان شارون مستعجلا، للانسحاب بدون مفاوضات حول الترتيبات الامنية. وفي مشروعه، لم يرد شارون على ذكر أي دور اميركي، او تدخل للامم المتحدة. ولكنه في المقابل، شدد على الرد بعنف اذا استمر حزب الله بقصف مستوطنات الشمال او مواقع الجيش "الاسرائيلي" على الحدود. وكان طبيعيا ان يتعرض مشروع شارون إلى النقد الشديد من جانب قيادة الجيش ووزارة الدفاع. واختتم شيف كلامه بقوله: "وفوق ذلك، فان دمشق وبيروت وحزب الله سيسألون انفسهم: اذا كانت مرجعية امنية مثل شارون تقترح انسحابا من جانب واحد، فلماذا عناء المفاوضات حول الترتيبات الامنية".
وتناول وان كسليف (هآرتس،17/3/1998) مشروع شارون في مقال بعنوان "دعونا نخرج من الورطة"، فقال : "يصعب جدا تأييد اية مبادرة سياسية يتقدم بها آريئيل شارون. فكما علمتنا التجربة، يكن وراء هكذا مبادرة، مهما بدت معقولة حافز شخصي: مهاجمة خصومه و/او تحسين منزلته السياسية الخاصة. ومن الصعب بشكل خاص تأييد اية مبادرة يقدمها بالنسبة إلى لبنان. فشارون هو الشخص الذي كان مسؤولا، قبل 16 سنة، عن تغطيسنا إلى رقابنا في المستنقع اللبناني، الامر الذي لم نستطع الفكاك منه إلى اليوم. من الممكن انه، حتى بدون شارون وحملته "سلامة الجليل" (كما تسمى الحرب في لبنان تكرارا)، كان حزب الله سيقوم على حدودنا الشمالية ايضا. الا انه، اكثر من أي شخص آخر، يمكن ان تنسب إلى شارون ابوة هذا التنظيم. وهناك كل سبب للافتراض في هذه المرة كذلك، ان الحافز الرئيسي لمبادرة وزير البنى التحتية القومية بشأن لبنان، الذي استطاع بصعوبة ان يحشر نفسه في حكومة نتنياهو عندما جرى تشكيلها، هو زيادة وزنه في المطبخ الوزاري ازاء كل من وزير الدفاع ورئيس الحكومة. وقد يكون هذا هو السبب وراء استعراضه العلني لاقتراحه بالنسبة إلى المسالة اللبنانية، في الوقت الذي يقوم يتسحاق مردخاي وبنيامين نتنياهو بعمل شاق للحصول على تأييد دولي لخطتهم. ويركز شارون الضوء على خطته باسلوبه المتميز بفجاجته، قبل طرحه في أي منتدى حكومي". واذ يؤكد كسليف على الاجماع "الاسرائيلي" للخروج من لبنان، فانه لا يرى امكانية تحقيق ذلك بدون موافقة سورية، الامر الذي يتطلب التوصل إلى تسوية معها. ولكنه لا يرى حصول ذلك في ظل حكومة نتنياهو، لانها غير مؤهلة لاتخاذ هكذا قرار بسبب تركيبتها، والاقدام عليه يعني بالضرورة سقوطها. ومن هنا، يرى كسليف ان الخيارات المفتوحة امام حكومة نتنياهو هي : اما استمرار الوضع الراهن، واما الانسحاب من جانب واحد، وعندها لا فرق كبير بين خطة شارون وخطة يوسي بيلين. وهو يجزم انه ليست هناك "طريقة حسنة" للخروج من "المستنقع اللبناني" افضل من تلك التي ظلت مفتوحة امام الاميركيين في فيتنام.
وغداة تبني حكومة نتنياهو خطة وزير دفاعها بالانسحاب بناء على قرار مجلس الامن رقم 425، طرح عضو الكنيست يوسي بيلين (العمل) خطته للانسحاب من لبنان من جانب واحد، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في تل ابيب (2/4/1998). ونقلت ميخال يودلمان (جيروزاليم بوست،2/4/1998) عن بيلين، الذي يرئس "حركة الانسحاب من لبنان بسلام"، امتداحه للحكومة على قبول قرار مجلس الامن رقم 425، ولكنه قال: "الطريق العملي الوحيد للخروج من لبنان ـ طالما لا يوجد اتفاق مع سوريا ولبنان ـ هو الانسحاب من جانب واحد، ولكن مع تصور واضح لما سيحدث في المنطقة التي نخليها. وخلاف ذلك سنجد انفسنا عالقين في لبنان لسنوات كثيرة قادمة". واضاف بيلين ان اقتراح "وزير الدفاع" للانسحاب ينطوي على مفاوضات واتفاقات لاحظ لها بالتحقق. وعن مشروع شارون بالانسحاب على مراحل قال: "ان ذلك يعني ان أي ولد على حمار يحمل كاتيوشا يستطيع نسف الخطة كلها". وقد اعد بيلين خطته خلال سنة من الدراسة، بمساعدة العميدين (احتياط)، آشر سدان ويوناتان ليرنر. وهي تدعو إلى الانسحاب إلى الحدود الدولية مع لبنان، واقامة جدار الكتروني متطور، ومزود باجهزة رادار، تبلغ تكلفته حوالي مليار دولار. والخطة لا تستند إلى اتفاقات رسمية، ولكنها ترتكز على تفاهم مع الامم المتحدة، ومع الولايات المتحدة واوروبا، وربما اليابان ايضا. وعندما ينسحب الجيش "الاسرائيلي"، يعدل مجلس الامن القرارين 425 و 426، ويعيد تحديد مهمة قوات الامم المتحدة في لبنان (يونيفل)، بحيث تمنع مقاتلي المقاومة اللبنانية من الوصول إلى الحدود. وينتشر الجيش اللبناني في المنطقة التي يخليها الجيش "الاسرائيلي"، ولا يسمح لحزب الله بالعمل منها، واضاف بيلين قائلا: "ستوضح الولايات المتحدة، وربما معها اوروبا واليابان، إلى سورية بان حركة "اسرائيل" الاحادية الجانب ليست موجهة ضدها، وانها اذا بادرت إلى العنف ضد "اسرائيل"، مباشرة او مداورة، فانها ستعتبر دولة خارجة على القانون".
لم تكن خطة بيلين تعبر عن اجماع في حزب العمل حول طريقة الانسحاب من لبنان، حيث انقسم نوابه في الكنيست بين مؤيد ومتحفظ ومعارض. "وكان من كبار مؤيديه اعضاء الكنيست: شمعون بيرس، موشيه شاحال، حاييم رامون، شيفاخ فايس، اضافة إلى اعضاء الكنيست الاعضاء في "حركة الانسحاب من لبنان بسلام" ديدي تسوكر، ياعيل دايان، نسيم زفيلي. اما ابرز المعارضين فهم : رئيس الحزب عضو الكنيست ايهود باراك، واعضاء الكنيست ابراهام شوحط، عوزي برعام، ميخا غولدمان وغيرهم. واوردت (هآرتس،3/3/1998) ملخصا لمواقف القادة الرئيسيين كما ظهرت في اجتماع كتلة حزب العمل في الكنيست. فقد اقترح شمعون بيرس ان توافق "اسرائيل" على قرار مجلس الامن رقم 425، وان تعمل لتأليف لجنة يشترك فيها ممثلون عن "اسرائيل" وسورية ولبنان والولايات المتحدة وفرنسا، تكون مسؤولة عن تطبيق نتائج (تفاهمات) "عناقيد الغضب". وقال عضو الكنيست نسيم زفيلي انه فوجئ، في اثناء زيارة قام بها مع اعضاء "حركة الانسحاب من لبنان بسلام" للمنطقة الحدودية، "بالانفتاح الذي ابداه ضباط رفيعو المستوى فيما يتعلق بالرغبة في ايجاد حلول اخرى لانتشار الجيش "الاسرائيلي" على الحدود الشمالية". وايد موشيه شاحال وحاييم رامون "الدفاع عن شمال البلاد من الحدود الدولية". وقال رامون: "يتبين من معلومات ادلي بها في اجتماع لجنة الخارجية والامن في الكنيست ان النفقات الي تخصص لحماية جنود الجيش "الاسرائيلي" في الجنوب اللبناني تعادل ثمن اقامة جدار امني متطور للغاية". وكان افرايم سنيه، الذي خدم سابقا في قيادة القوات "الاسرائيلية" العاملة في لبنان، من اشد المعارضين لخطة بيلين.
وبالفعل، فقد هاجم عضو الكنيست سنيه (حزب العمل) خطة بيلين، وشرح موقفه في مقال كتبه في "يديعوت احرونوت" (19/3/1998) جاء فيه: "اليوم يقترح وزراء من الحكومة وشخصيات من المعارضة اعادة الوضع إلى ما كان عليه حتى (آذار 1978) لا شيء سوى ان العدو اصبح اصعب مراسا واشد خطرا، ذلك لان مخربي حزب الله حلوا محل مخربي م.ت.ف. انهم اكثر احترافا، واشد تصميما، واكثر تصورا. وهم شيعة ابناء المنطقة وليسوا فلسطينيين غرباء عنها، ويتمتعون بدعم مكثف وتوجيه من ايران… ان الذين يروحون لصيغ الانسحاب من لبنان من دون تسوية يعلمون ان حكومة لبنان وجيشه غير قادرين على كبح حزب الله . فما هو دافعهم اذا؟ اهو الرغبة في تحقيق انجاز دعائي فوري؟ اهو عدم القدرة على القول الحقيقة للشعب : انه من دون اتفاق مع سورية لاخيار سوى الاستمرار في محاربة حزب الله؟ اهو وهن القدرة على الصمود؟ اهو الرغبة في التستر على تدمير التفاهم مع الفلسطينيين وعلى ما يمكن ان يحدث في المناطق نتيجة ذلك؟ اهو الرغبة في تجنب مفاوضات شاملة مع سورية؟ ام لهذا كله مجتمعا؟ ان من يهرب من لبنان من دون تسوية حقيقية مع السوريين، ومن دون تجريد حزب الله من سلاحه، سيعيد الوضع إلى الحدود الشمالية إلى ما كان عليه قبل "عملية الليطاني". سوف يضطر الجيش "الاسرائيلي" إلى دخول لبنان مجددا، بقوة كبيرة، من دون ان يكون له حليف بين سكان الجنوب. وسيكلف ذلك ثمنا مرتفعا من الدماء. اذا ما تذكرنا دروس "عملية الليطاني" فلن نضطر إلى احتلال مارون الرأس مرة ثانية". وتجدر الاشارة إلى ان الجيش "الاسرائيلي" واجه مقاومة فلسطينية عنيفة في مارون الراس اثناء "عملية الليطاني" (1978)، وهو ما حذر منه سنيه (انظر اعلاه: "عملية الليطاني"). وواضح ان سنيه قريب جدا في موقفه من الانسحاب من رئيس الحزب ايهود باراك، الذي يركز على التفاهم والاتفاق مع سورية في هذا الشأن.
ونقلت صحيفة هآرتس (3/3/1998) عن باراك تحذيره من ان "انسحابا من جانب واحد من لبنان سيعرض سكان الشمال للخطر وسيوحي بالضعف…". واكد باراك عدم صحة القول بان الجيش "الاسرائيلي" سيتمتع بحرية العمل بعد الانسحاب، وذكر انه يرى ضرورة الاتفاق مع طرف في الجانب المقابل، "يضمن لنا انه لن يكون هناك ارهاب ينطلق من المناطق التي سيخليها الجيش "الاسرائيلي" بصورة متدرجة". واقترح باراك ان يجلو الجيش "الاسرائيلي"، اولا، عن مناطق بعيدة عن حدود "اسرائيل" الدولية، تستولي عليها فورا قوة لبنانية، سيتخذ قرار بشأن مواصلة الانسحاب. "يجب ان تمنح هذه الخطوة ضوءا اخضر سوريا، سواء من تحت الطاولة او من فوقها. في نهاية المطاف، فان العنوان لاي اتفاق في لبنان هو سورية" (هآرتس 22/3/1998). وقد ظل باراك يتمسك بموقفه القاضي بضرورة الانسحاب ضمن اتفاق مع سورية حتى بعد ان تولي رئاسة الوزارة، واستمر في مراهنته على امكان تحقيق ذلك حتى بعد فشل قمة جنيف بين الرئيسين، الاسد وكلنتون (29/3/2000).
وتجدر الاشارة إلى ان القيادة العليا للجيش "الاسرائيلي" ظلت لاسبابها الخاصة، ترفض دعوات الانسحاب الاحادي الجانب من لبنان، وتتغطى بالتقارير الاستخبارية التي تفيد ان حزب الله سيستمر في هجماته على المستوطنات "الاسرائيلية"، حتى بعد الانسحاب من الشريط الحدودي المحتل. وحتى عندما تصاعدت هجمات المقاومة الاسلامية، وتزايد عدد القتلى من جنود الجيش "الاسرائيلي"، سواء في اثناء الدوريات التي كانوا يقومون بها، او في المواقع المحصنة التي يتمترسون فيها، ظلت قيادة ذلك الجيش على موقفها. وبينما ادخلت تعديلات على تكتيك العمليات التي تقوم بها وحدات مختارة من الجيش، وعززت تحصين المواقع التي يرابط فيها جنود الاحتلال، فقد نقلت جيروزاليم بوست (13 نيسان 1999) عن رئيس اركان الجيش، شاؤول موفاز، قوله: "لست متأكدا من اننا نستطيع تقديم نفس الامن لسكان الشمال، او تقديم امن بنفس الثمن، اذا كنا سننسحب. وثمن الخطأ صعب جدا، وسيكون ثمنا باهظا اضافيا اذا قررنا الانسحاب". والاكيد ان قيادة الجيش "الاسرائيلي" ظلت تعتبر الانسحاب تحت ضغط المقاومة الاسلامية هزيمة، لا يمكن القبول بها من دون غطاء سياسي يبررها، مثل التوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية، او حتى مع سورية، على ترتيبات امنية، تشكل علة للانسحاب. وبالفعل، فانه بعد فشل حكومة نتنياهو في جر لبنان إلى مفاوضات حول تنفيذ القرار رقم 425، وطرح فكرة الانسحاب من جانب واحد، بدلا من خطة وزير الدفاع مردخاي، اعترضت قيادة الجيش على هذه الفكرة، وفرضت على الحكومة التراجع عنها.
ومهما يكن، فان الحكومة اللبنانية برفضها التعامل مع خطة حكومة نتنياهو قد كفت الساحة السياسية "الاسرائيلية" المزيد من الجدل الداخلي حول هذه الخطة كسبيل للخروج من الورطة اللبنانية. "فقد اعتبرت تلك الحكومة المبادرة "الاسرائيلية" فخا وخدعة الغرض منها فصل المسارين اللبناني والسوري، واحداث فتنة داخلية في لبنان. وتمترس المسؤولون اللبنانيون عند مقولة صارت شعارا: اذا كانت "اسرائيل" جادة في تنفيذ القرار 425 فلتنسحب كما دخلت من دون استئذان. فالقرار الدولي ينص عل انسحاب كامل وفوري من دون قيد او شرط او مفاوضات" (سويد، المصدر السباق، ص 69). وفي موقفها هذا، كانت الحكومة اللبنانية على توافق تام مع الموقف السوري، كما جاء على لسان الرئيس حافظ الاسد في حديث إلى التلفزة الفرنسية في تموز 1998، حيث قال: "دخل "الاسرائيليون" بدون رأي لبنان ويستحسن الان ان يخرجوا مثلما جاؤوا… واذا حدث ذلك وخرجوا بدون شروط فسيؤيده سورية ايضا، والمهم ان يطبق القرار بدون تحميله اشياء ليست فيه… ونحن ولبنان بيننا اشياء كثيرة متداخلة وبيننا اتفاقات ومعاهدات ونحن نعتبر اننا شعب واحد في بلدين (السفير،16/7/1998). وكان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، قد ادلى بتصريح لصحيفة النهار البيروتية (3/4/1998) جاء فيه: "الحل الوحيد والمنطقي هو الانسحاب من دون قيد او شرط وترك مسؤولية الامن للبنانيين انفسهم حيث لن تكون هناك مشكلة في المنطقة المحتلة بعد انسحاب "اسرائيل"، اذ سيتعاون حزب الله مع الجيش اللبناني وقوات الامن الرسمية تعاونا كاملا حتى تحافظ تلك القوات على امن المنطقة". وفي حديث إلى صحيفة الاهرام المصرية (25/5/1998) قال نائب رئيس الجمهورية السورية عبدالحليم خدام، ما يلي: "هناك اجماع لبناني على رفض مشروع "لبنان اولا" وعلى وحدة المسارين والتعامل مع قضية السلام مع "اسرائيل" من خلال موقف واحد، خاصة بعد ان رأى اخواننا في لبنان النتائج السيئة للحلول المنفردة". واضاف خدام: "ان سورية ولبنان يرفضان الربط بين وجود القوات السورية في لبنان والاحتلال "الاسرائيلي"". وانتهى إلى القول: "اذا كانت "اسرائيل" تريد السلام بشكل جدي فعليها الالتزام باستئناف المفاوضات من حيث توقفت… بعد ذلك نبحث في تحقيق السلام الشامل والعادل".
ولأن مبادرة الحكومة "الاسرائيلية" جاءت في سياق حرب استنزاف حقيقية في الجنوب، فانه بالتوازي مع انسداد الافق امام نجاحها تصاعدت حدة الاشتباكات العسكرية، وبالتالي، زيادة الخسائر البشرية "الاسرائيلية"، وما يترتب عليها من تململ داخل جمهور المستوطنين في "اسرائيل". وبينما كانت حركة الاحتجاج على استمرار الوجود العسكري في لبنان تتصاعد في "اسرائيل"، كانت الاوساط السياسية المختلفة تطرح خيارات عسكرية وسياسية متنوعة منها: التهديد بضرب اهداف رئيسية في البنية التحتية (جسور، طرقات، شبكة الكهرباء، شبكة المياه، الخ) التي اعاد لبنان بناءها بعد الحرب…، ضرب اهداف سورية في لبنان او في سورية نفسها، تنفيذ عمليات قصف شديد وغارات شمالي المنطقة المحتلة في الجنوب، على غرار عملية "تصفية الحساب) او عملية "عناقيد الغضب"، توسيع "حزام الامن" ليشمل كل الاراضي الواقعة جنوبي نهر الليطاني. وهذه خيارات محفوفة بمخاطر التصعيد المقابل: من اطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة حتى الصدام العسكري مع سورية، وبالتالي، تكبد المزيد من الخسائر البشرية من دون التأكد من تحقيق الهدف: انهاء المقاومة. ولذلك، اخذت المناقشات "الاسرائيلية" منحى آخر مثل: تقليص جبهات المواجهة (والمخاطر) بالانسحاب من منطقة جزين وغيرها من المواقع المتقدمة النائية، وفي المقابل، ابقاء الوضع على حاله مع ضبط التصعيد والحد من الخسائر البشرية وتنفيذ عمليات خاصة تعتمد على التفوق التكنولوجي، وهو الخيار المفضل على قيادة الجيش. ويبقى الخيار الاخير، الذي رفضته القيادة العسكرية، مع ان عددا من وزراء حكومة نتنياهو ايدوه، وهو الانسحاب من طرف واحد، بعد تنفيذ عملية عسكرية نوعية ضد لبنان وسوريا، او على الاقل توجيه انذار جدي جدا إلى سورية عن طريق الولايات المتحدة واوروبا (وربما بعض الزعماء العرب). ومع تزايد الخسائر البشرية "الاسرائيلية"، تنامى التأييد لخيار الانسحاب من طرف واحد، سواء داخل حكومة نتنياهو او خارجها، ولكن قيادة الجيش ردعت الحكومة عن الايغال في هذا التوجه حتى سقوطها في انتخابات العام 1999.
لم تتابع حكومة نتنياهو مبادراتها التسووية على المسار اللبناني، والتفتت إلى المسار الفلسطيني تحت ضغط اميركي، الامر الذي ادى إلى سقوطها على ارضية اتفاق "واي بلانتيشن" وبالتالي الدعوة إلى انتخابات مبكرة، خسرها في مواجهة ايهود باراك. وقد اقال نتنياهو وزير الدفاع مردخاي، وعين موشيه آرنز بدلا منه. وكان هذا الاخير معارضا متزمتا للانسحاب من جانب واحد، ومن دعاة الرد العنيف على اعمال المقاومة اللبنانية. وتحت تأثير حملة الانتخابات، تحاشى آرنز توسيع رقعة المواجهة وتصعيد القتال، خشية ازدياد الاصابات في صفوف الجيش، وبالتالي، تصاعد الحملة من اجل الانسحاب من لبنان، التي قادتها "منظمة الامهات الاربع"، وانعكاس ذلك على خط نتنياهو في كسب المعركة الانتخابية.
ومنذ توليه مهام منصبه، لم يخف آرنز ضيقه بشروط "تفاهم نيسان"، التي اعتبرها مكبلة لايدي الجيش "الاسرائيلي"، بينما هي تمنح حرية العمل لمقاتلي حزب الله. ومع تصاعد العمليات العسكرية لحزب الله، رفع آرنز عقيرته بالوعيد ضد سورية ولبنان، وبالتهديد بضرب المرافق العامة والبنى التحتية اللبنانية، بما فيها ما اسماه "المصالح السورية في لبنان". ولكن ذلك لم يجدِهِ فتيلا، فقد تصدت المقاومة الاسلامية ببسالة للتكتيكات الجديدة التي ادخلها الجيش "الاسرائيلي" على استراتيجية نشاطه العسكري، الامر الذي اضطر آرنز إلى اصدار التعليمات إلى هيئة الاركان باعادة النظر في مجمل اساليب عمل الجيش في لبنان، وذلك بموازاة تغيير الخط السياسي للحكومة في التعامل مع المسألة اللبنانية، خاصة لناحية ابعادها السورية والايرانية. "والظاهر ان آرنز لم يكن راضيا عن المنظور التقليدي لجيش الدفاع "الاسرائيلي" من ان الوضع الراهن هو الاقل سوءا ضمن الخيارات المتاحة" (هآرتس،9/3/1999)، لقد اراد آرنز من هيئة الاركان اعادة تقويم الوضع العسكري والاستراتيجي للحرب في لبنان، وتقديم بدائل من الخيارات المتوفرة. ولكن، اخذاً في الاعتبار الاوضاع الداخلية في "اسرائيل"، والسياق الدولي العام المواكب لسيرورة القتال في ظل مفاوضات التسوية، فقد كانت الخيارات محدودة جدا.
وفي حديث إلى مراسلي وسائل الاعلام (8/3/1999)، بينما المعركة الانتخابية تحتدم، قال آرنز: "نحن في مسار من تفحص بدائل مختلفة. ان تأهب قوات جيش "الدفاع "الاسرائيلي"" الراهن لا يبدو صحيحا بالنسبة الي". وذكر آرنز ان التفحص سيشمل جميع الخيارات، بما فيها الانسحاب من طرف واحد، واضاف: "انا لست مقتنعا ان السبيل إلى التعامل مع المسألة اللبنانية هو بالضرورة من خلال المفاوضات. لدينا مشكلة في لبنان. الوضع الراهن بالنسبة إلى بنية المنطقة الامنية وطبيعة "تفاهمات عناقيد الغضب" يجب ان يقارن ببدائل اخرى. علينا ان نسأل انفسنا ما اذا كان هذا هو التأهب الافضل. وواضح بالنسبة إلي ان هذا ليس البديل الافضل". واوضح آرنز انه يشير إلى الانتشار الجغرافي كما إلى قوانين اللعبة. وقال ان هيئة الاركان والضباط في قيادة الشمال سيتفحصان معا الخيارات ويعدان التقرير، الذي سيقدمه رئيس هيئة الاركان شاؤول موفاز إلى "وزيرالدفاع". وستغطي الدراسة نشر قوات جيش "الدفاع "الاسرائيلي"" في لبنان، ونشاطه في "المنطقة الامنية"، وخيارات "اسرائيل" الاستراتيجية. وبالنسبة إلى آرنز: "فان لبنان ليس دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهووا قع تحت حكم سورية. هناك فقط تظاهر بانه بلد مستقل". ووصف آرنز التفاهم الذي تم التوصل اليه مع حزب الله (1996) بقوله: "انه عائق يحد من قدرات "جيش الدفاع "الاسرائيلي""، هناك غياب للتوازي على هذا الصعيد، اذ يمكن حزب الله من مهاجمة "جيش الدفاع "الاسرائيلي"" في المنطقة الامنية، حيث هو مكشوف. و"جيش الدفاع "الاسرائيلي"" يراقب وينصت إلى كلامه، والمعلومات عن نشاطه تنتقل عبر المواطنين". واشار آرنز إلى الصعوبة التي ينطوي عليها التخلي عن "تفاهم نيسان"، وذكر انه يفضل التفاوض مع سورية، وقال: "الا انه ليس هناك حظ للتوصل إلى اتفاق مع السوريين بدون تسليم الجولان بالكامل. ومن يقول غير ذلك يخدم نفسه والجمهور" (هآرتس،9/3/1999).
جيفارا فلسطين- عضوجديد
- عدد المساهمات : 19
الرصيد : 43
أعجبني : 0
تاريخ التسجيل : 09/10/2010
العمر : 36
رقم العضوية : 177
رد: هزيمة "اسرائيل" في لبنان
مشكور اخي على نقل الخبر وبتمنى انو دايما الاسرائيل تنهزم بكل شيء
وننتظر المزيد كهذه الاخبار
وننتظر جديدك
وننتظر المزيد كهذه الاخبار
وننتظر جديدك
عاشقه تراب فلسطين- مشرفة
- عدد المساهمات : 4556
الرصيد : 5714
أعجبني : 23
تاريخ التسجيل : 17/08/2010
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبه
رقم العضوية : 25
مواضيع مماثلة
» اليوفنتوس بنسخة ديل نيري يفشل في هزيمة كاسانو ورفاقه
» تبا لك يا اسرائيل
» اسرائيل تهدم بيت مفتي القدس
» مخيمات لبنان
» واشنطن تعمل من اجل السلام بين اسرائيل وسوريا
» تبا لك يا اسرائيل
» اسرائيل تهدم بيت مفتي القدس
» مخيمات لبنان
» واشنطن تعمل من اجل السلام بين اسرائيل وسوريا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 15 مايو 2016, 8:53 pm من طرف قلوب دافئه
» لماذا عُرج برسول الله من المسجد الأقصى ولم يُعرج به من المسجد الحرام
الأربعاء 16 مارس 2016, 12:33 am من طرف قلوب دافئه
» الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 20 ديسمبر 2015, 1:06 am من طرف قلوب دافئه
» ضرب الأطفال
الأربعاء 25 نوفمبر 2015, 9:03 am من طرف قلوب دافئه
» الأدب فى رياض الصالحين
الإثنين 19 أكتوبر 2015, 11:13 am من طرف قلوب دافئه
» الصبر والأمانة باب القرب والعطاء
السبت 12 سبتمبر 2015, 3:54 pm من طرف قلوب دافئه
» إصلاح وتربية المجتمع بإصلاح قلوب أهله
الإثنين 17 أغسطس 2015, 11:23 pm من طرف قلوب دافئه
» احكام الفدية على المريض فى رمضان ومتى تجب عليه
الأحد 21 يونيو 2015, 12:04 am من طرف قلوب دافئه
» رؤية هلال رمضان
الإثنين 08 يونيو 2015, 4:46 pm من طرف قلوب دافئه
» ولم يك رب العرش فوق سمائه تنزّة عن كيف وعن برهان
الثلاثاء 02 يونيو 2015, 12:02 pm من طرف المحب لفلسطين
» لماذا عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى ولم يعرج به من المسجد الحرام
الثلاثاء 26 مايو 2015, 10:05 am من طرف قلوب دافئه
» لماذا طلب داعى اليهود والنصارى وإبليس نظره من رسول الله فى الإسراء والمعراج
السبت 16 مايو 2015, 8:27 am من طرف قلوب دافئه
» لماذا اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج دون باقى الأنبياء
الإثنين 04 مايو 2015, 6:26 am من طرف قلوب دافئه
» تحميل كتاب إشراقات الإسراء
الخميس 16 أبريل 2015, 12:30 am من طرف قلوب دافئه
» اختبار الغضب
الأحد 29 مارس 2015, 1:50 pm من طرف قلوب دافئه