شبكة بيت الذاكرة الفلسطينية
عدد زوار المنتدى
.: عدد زوار المنتدى :.

المواضيع الأخيرة
» لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في شهر شعبان
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالأحد 15 مايو 2016, 8:53 pm من طرف قلوب دافئه

» لماذا عُرج برسول الله من المسجد الأقصى ولم يُعرج به من المسجد الحرام
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالأربعاء 16 مارس 2016, 12:33 am من طرف قلوب دافئه

» الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالأحد 20 ديسمبر 2015, 1:06 am من طرف قلوب دافئه

» ضرب الأطفال
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالأربعاء 25 نوفمبر 2015, 9:03 am من طرف قلوب دافئه

» الأدب فى رياض الصالحين
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالإثنين 19 أكتوبر 2015, 11:13 am من طرف قلوب دافئه

» الصبر والأمانة باب القرب والعطاء
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالسبت 12 سبتمبر 2015, 3:54 pm من طرف قلوب دافئه

» إصلاح وتربية المجتمع بإصلاح قلوب أهله
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالإثنين 17 أغسطس 2015, 11:23 pm من طرف قلوب دافئه

» احكام الفدية على المريض فى رمضان ومتى تجب عليه
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالأحد 21 يونيو 2015, 12:04 am من طرف قلوب دافئه

» رؤية هلال رمضان
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالإثنين 08 يونيو 2015, 4:46 pm من طرف قلوب دافئه

» ولم يك رب العرش فوق سمائه تنزّة عن كيف وعن برهان
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالثلاثاء 02 يونيو 2015, 12:02 pm من طرف المحب لفلسطين

» لماذا عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى ولم يعرج به من المسجد الحرام
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالثلاثاء 26 مايو 2015, 10:05 am من طرف قلوب دافئه

» لماذا طلب داعى اليهود والنصارى وإبليس نظره من رسول الله فى الإسراء والمعراج
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالسبت 16 مايو 2015, 8:27 am من طرف قلوب دافئه

» لماذا اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج دون باقى الأنبياء
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالإثنين 04 مايو 2015, 6:26 am من طرف قلوب دافئه

» تحميل كتاب إشراقات الإسراء
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالخميس 16 أبريل 2015, 12:30 am من طرف قلوب دافئه

» اختبار الغضب
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Emptyالأحد 29 مارس 2015, 1:50 pm من طرف قلوب دافئه

لن ننساكم
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Oouu_o11
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 108 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 108 زائر

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 689 بتاريخ الجمعة 21 يونيو 2013, 9:15 pm


الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Empty الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “

مُساهمة من طرف فراس الثلاثاء 08 فبراير 2011, 10:47 am




د. عادل الأسطة



ترمي هذه المقاربة إلى إبراز صورة الذات
والآخر – أي العربي واليهودي تحديداً – في رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا
" (1969)، ومقارنة هذه الصورة بما بدت عليه في رواية الكاتب الأمريكي ( ليون أوريس
) " أكسـودس ". وكان كنفاني في كتابه “ في الأدب الصهيونـي "( 1966)
قـارب صورة الصهيوني في الرواية المذكورة وفي روايات صهيونية أخرى، كما أتى على تصور
كتاب تلك الروايات – من خلال السارد والشخصيات الصهيونية – للعرب وغيرهم.



لقد كتب كنفاني، كما نلاحظ من خلال التواريخ،
روايته قيد الدراسة، بعد ثلاث سنوات من كتابته دراسته حول الأدب الصهيوني، فهل شكلت
قراءاته لهذا الأدب مصدراً من مصادر رواياته التي كتبها فيما بعد، وهل كان تصوره للذات
وللآخر غير خال من قراءاته؟



سوف أتتبع، ابتداءً، بعض آراء الدارسين
العرب في رواية " عائد إلى حيفا "، وأقف، من ثم، أمام بعض الدراسات التي
أتى فيها أصحابها على تأثر كنفاني بالأدب الصهيوني، لأخوض بعد ذلك في مرايا الذات العربية
والذات الصهيونية في نصيّ كنفاني و ( ليون أوريس ).






1-
الدارسون العرب وموقفهم من رواية " عائد إلى حيفا ":



لن أستعرض هنا كل ما أنجزه الدارسون العرب
حول رواية " عائد إلى حيفا " لأسباب منها أن هذا قد يضخم حجم الدراسة، وأنه
قد يظهر تكراراً لا ضرورة له، عدا أن الدراسات كلها غير متوفرة لي، بسبب إقامتي في
الأرض المحتلة. وسأكتفي بآراء أربعة دارسين ودراسات أصدروا كتباً حول الرواية الفلسطينية
بشكل عام، أو حول غسان كنفاني بشكل خاص.



تناولت رضوى عاشور في كتابها " الطريق
إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني "(1977) رواية " عائد إلى
حيفا "، وذهبت إلى أن شخصيات الرواية " تعبر عن أفكار وقناعات أكثر منها
شـخصيات أخذت مداها في النمو لكي تخرج إلينا وجودات حية لها وزنها وقيمتها في الرواية
"(ص144).



ولم تربط عاشور بين الرواية ورواية (أكسودس)،
ولكن الرأي الذي توصلت إليه رأي مهم سوف يأخذ به الدارس الذي يربط بين الروايتين، وهو
رأي سنجده لدى دارسين عرب آخرين لم يتح لهم قراءة (أكسودس). يعتمد أحمد أبو مطر في
كتابه "الرواية في الأدب الفلسطيني" (1980) على ما قالته عاشور ويقتبس رأيها،
ومما يقوله هو عن الرواية "أما الثانية – أي عائد إلى حيفا – فهي الإطار الفكري
الذي يفسر ما حدث وما سيأتي، من خلال قناعات نظرية يراها الكاتب. لذلك غلب على الرواية
التناول الفكري غير المخدوم فنياً، من خلال تطور الأحداث ورسم الشخصيات إذ أن الإطار
الفكري هو الذي كان يلح على الكاتب، فجاءت الشخصيات في أغلب الأحيان مجرد ناطق بمقولات
فكرية جاهزة على لسان الكاتب" (ص212). ويعزز أبو مطر رأيه هذا، حيث يكرره في دراسته،
وفي أثناء تكراره يتكيء على رأي عاشور. (ص217).



لا يبتعد فاروق وادي في كتابه " ثلاث
علامات في الرواية الفلسطينية "(1981) عن رأي عاشور وأبو مطر كثيراً.



يرى وادي أن الرواية استجابت لمتطلبات السياسة
من تعليم وتحريض. إنها رواية الحوار السياسي بالدرجة الأولى، وشخصياتها لا تنبض بقدر
ما تمثل موقفاً سياسياً يعبر عنه مباشرة من خلال الحوار "(ص78) ويرى أن سعيد
. س و (دوف)، وهما الشخصيتان الأساسيتان، يمثل كل منهما " حالة فكرية وسياسية،
يطمح الكاتب من خلالهما، وعبر حوارهما، للوصول إلى إجابات حول تساؤلات مطروحة: ما هي
الأبوة؟ ما هو الوطن؟ ما هي القضية" (ص78) ويذهب إلى أن (دوف) لا يمثل كياناً
إنسانياً " بقدر ما يتمثل كحالة أيديولوجية زائقة، و كـ "وعي"تشكل في
هكذا مجتمع" (ص78).



ولا يختلف ما كتبته فيحاء عبد الهادي في
كتابها " غسان كنفاني: الرواية والقصة القصيرة " (1990) عما سلف. ترى عبد
الهادي: أن "صوت كنفاني الحاد المباشر يعلو على الطابع الفني بشكل لا يحتمل التجاوز
عنه. ويتمثل هذا الصوت المباشر الحاد في الحوار الخطابي الذي يدور بين ( سعيد .س )
و ( دوف ).



إنه حوار فكري يوضح ما أراد غسان، مما أفقد
الشخصيات طابعها الإنساني المتفرد. لقد ظهرت نماذج ذهنية مجردة لا نماذج إنسانية واقعية
حية" (ص 130 ).



ويخلص المرء، بعد قراءته هذه الآراء التي
يبدو لاحقها تكراراً لسابقها، إلى أن الرواية، رواية أنجزت لتحاور روايات أخرى، وأن
مؤلفها كان يحاور مؤلفي تلك الروايات التي قرأها حواراً غير مباشر، وأنه، وهو يحاور،
كان متأثراً بالأوضاع السياسية التي كانت تشهدها منطقة الشرق الأوسط عام كتابة الرواية،
وما لا ينبغي إغفاله أيضاً هو قناعات كنفاني الماركسية التي تبناها بعد هزيمة حزيران
1967، إذ أنها كانت منطلقاً مهما من منطلقات تشكل تصوره للذات والآخر. لقد أبرز تصور
الآخر لذاته، اعتماداً على الرواية الصهيونية، وحاول، من منطلق ماركسي، أن ينقض هذه
الصورة، بل وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين نظر كنفاني إلى الذات الفلسطينية. لم يأخذ
بتصور الرواية الصهيونية للعربي، لأنه تصور منطلق من منطلق عنصري، ولم يأخذ أيضاً:
بتصور الصهيوني لذاته، لأنه ينطلق أيضاً من منطلق عنصري. وهذا ما أبرزته في كتابي
" اليهود في الأدب الفلسطيني ما بين 1913 و 1987 " (1992) ( ص 116-120).






2-
الدارسون ودراسة الرواية بناءً على صلتها بالآداب الأخرى:



توقف دارسـون أوروبيون وعرب، وهم يدرسون
غسان كنفاني، أمام تأثير مسرحية ( برتولد بريخت ) " دائرة الطباشـير القوقازية
" على كنفاني. ومن أبرز هؤلاء السـويسري ( هارتموت فيندرش ) الذي نقل أكثر أعمال
كنفاني إلى الألمانية. وقد كتب ( فيندرش ) مقالة عنوانها " دائرة الطباشير القوقازية
بالعربية " ( جريدة زيورخ 14/1/1983 ) بين فيها صلة " عائد إلى حيفا
" بمسرحية ( بريخت ). وهذا ما عززه دارس عربي يقيم في الولايات المتحدة هو محمد
صديق الذي أصدر عام 1984 كتاباً عن غسان كنفاني عنوانه " الإنسان قضية "
( واشنطن )، وذهبتْ المذهب نفسه فيحاءُ عبد الهادي، وإن كانت أشارت إلى تأثر كنفاني
بالشاعر ( ت. س. إليوت ) في مسرحيته " كاتم السر " ( ص 126/127 ).



إن هذا التأثر، وإن بدا مهماً وترك أثره،
كما ذكرت، على مرايا الذات والآخر في تصور كنفاني، ليس هو موضع هذه الدراسة. إن ما
يهمنا، وهو ما يحدده عنوان المقاربة، هو صلة رواية كنفاني بروايته ( ليون أوريس ).



ذهب دارس ألماني هو ( اشتيفان فيلد )، وهو
يدرس كنفاني إلى ما يلي:



"إن التشابه البنائي بين شتات فلسطين
وشتات اليهود، الغربة و
galut،
قد بولغ فيه من الحركتين الفلسطينية والصهيونية. وعلى أية حال فليس هناك شك في أن هناك
ثمة تشابهاً جزئياً بينهما. فثمة تشابه قوي، إلى حد ما، ما بين الطريقة التي وصف فيها
كنفاني أرض فلسطين في قصصه، وتحديداً في المهمة المطلقة للعودة مهما كانت التكاليف
والنتائج والعواقب، وبين الكتاب الصهيونيين الأوائل " ( فيلد، غسان كنفاني: حياة
فلسطيني، ص9 ).



وأضاف هذا الدارس:



وحسب معلوماتي فقد كان أيضاً العربي الأول
الذي ترجم الأدب الصهيوني، قدر ما كان متوفراً له، وحلل على سبيل المثال الطريقة المهينة
التي صور فيها العرب في رواية مؤثرة هي ( أكسودس ) لـ ( ليون أوريس )". (ص12).



غير أن ( فيلد ) الذي كتب في الفترة نفسها
( 1975 ) دراسة قصيرة عنوانها " صورة الفلسطيني في أعمال غسان كنفاني "،
وأبرز فيها مرايا الذات والآخر في أعمال كنفاني، لم يبين الصلة بين " عائد إلى
حيفا " و ( أكسودس ). لقد كانت ملاحظته مهمة، لكنها ظلت مجرد إشارة.



ولعلني أكون قد توسعت في هذا في كتابي
" اليهود في الأدب الفلسطيني " و " الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني
" (1993).



درست في الأول " عائد إلى حيفا
" على أنها رد ونقض لرواية ( أكسودس)، رد على تصور الذات الصهيونية لذاتها، وتقض
لهذا التصور. وتوسعت في الكتاب الثاني في تبيان الصلة بين الروايتين، وقارنت بين مقولات
وردت في الرواية الصهيونية ومقولات وردت في رواية كنفاني على لسان الشخصيات اليهودية.



هنا يمكن التوقف أمام دراسة فيصل درّاج
" صور اليهودي الغائمة في مرايا غسان كنفاني "( 1997 ). يخلص دراج وهو يدرس
" عائد إلى حيفا " إلى أن كنفاني " جعل من الصهيوني مرجعاً للفلسطيني
وأستاذاً له، طالما أن الأستاذ يتعرف بنجاحه وبقدرته على هزيمة من لم يكن أستاذاً مثله
" ( ص25 ). ويتكئ على مقولة ( دوف ) في " عائد إلى حيفا " مخاطباً الفلسطيني
سعيد . س، ونصها:



" ماذا فعلت خلال عشرين عاماً كي تسترد
ابنك! لو كنت مكانك لحملت السلاح من أجل هذا! أيوجد سبب أكثر قوة؟ عاجزون … عاجزون
… مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف والشلل ".



يتكئ دراج على هذه المقولة ليكتب رأيه
" إن سؤال الجندي الصهيوني وإجابته هما سؤال الوعي الفلسطيني وإجابته "
( ص 27 )، ويرى أن الفلسطيني والصهيوني، كل منهما، صورة مقولبة عن الآخر. يكتب دراج:



" وبقدر ما يشكل سعيد .س صورة أخرى
عن ( أفرات ) فإن زوجته ميريام لا تختلف عن المرأة الفلسطينية في شيء " ( ص28
) كان ( أفرات ) ضحية النازية، وغدا سعيد .س ضحية الصهيونية، وفقدت ميريام والدها وأخاها
الذي كان له من العمر عشر سنوات، وفقدت صفية ولدها خلدون.



3-
رواية ( أكسودس ) والأدب الصهيوني:



تجدر الإشارة إلى أن رواية ( أكسودس ) والروايات
الصهيونية التي عالجها كنفاني، في كتابه " في الأدب الصهيوني "، قد خرجت
في معظمها، فيما يمس تصور الذات الصهيونية، من معطف رواية ( ثيودور هرتزل ) "
أرض قديمة جديدة " (1902). اليهودي في المنفى بائس فقير ولا كرامة له، وحين يأخذ
الرواد بيده، ويهاجر إلى فلسطين ستغدو أحواله أفضل بكثير. وسيحول هؤلاء الرواد فلسطين،
في غضون عشرين عاماً، إلى جنة. وإذا كان ( ديفيد لوتفيك )، في المنفى، متسولاً يستجدي
الآخرين، فإنه يصبح، في فلسطين التي هاجر إليها، عاملاً يعيش من تعب يديه، ويغدو الخير
له وفيراً. المنفى مقبرة اليهود وذلهم، وفلسطين صحراء تتحول، حين يأتي إليها اليهود،
إلى جنة. ولا يعترض الإقطاعي العربي ( رشيد بك ) على مجيء اليهود إلى فلسطين. ويجري
في بداية الفصل الثالث من رواية ( هرزل ) حوار
بين الصهيوني والمسيحي المتعاطف ورشيد بك، ويقر رشيد بأن كل شـيء في فلسطين بدأ يزدهر
منذ أن بدأ اليهود الهجرة. ( ص 87 ). وفي ( أكسودس ) يقول عربي لا يختلف عن رشيد بك:
إن اليهود هم الذين جلبوا الضوء إلى هذا الجزء من العالم في الألف سـنة الأخيرة “
( أكسودس، 324 ). ما ورد في بداية الكتاب الثاني من رواية (هرزل) يرد قريباً منه في
الفصل الثالث عشر من الكتاب الثاني من كتاب ( أوريس ). رشيد بك وكمال يقران بإنجاز
اليهود، تماماً كما يتطابق وصف ( هرزل ) لأرض فلسطين قبل مجيء الصهيونية إليها ووصف
( أوريس ) لها قبل أن يحولها اليهود الصهيونيون إلى جنة.



4-
صورة الذات الصهيونية والآخر العربي في رواية ( أكسودس): يخصص كنفاني الفصل
السادس من دراسته للأدب الصهيوني للكتابة عن صورة اليهودي وغير اليهودي، ويلخص الصورتين
في العنوان: " العصمة اليهودية أمام عدم جدارة الشعوب الأخرى " ( 593 ).
ويقول لنا العنوان إن صورة اليهودي إيجابية وصورة غير اليهودي سلبية، ولا يرد هذا الكلام
على لسان اليهود فقط. إنه يرد على لسان غير اليهود أيضاً. يقول الضابط ( مالكولم )
في ( أكسودس ):



" إنني أحب الجنود اليهود، المحارب
اليهودي هو الأفضل، فهو مقاتل ومثالي في آن واحد … إنّ رجال الهاجاناة يشكلون بلا تردد
أعلى مستوى ثقافي وعقلاني ومثالي لرجل تحت السلاح في العالم " أجمع “ ( غ.ك/ أ.ك/
دراسات، ص 597 ).






أما ديفيد اليهودي فيعلن أنه " لم
يحارب شعب ما، في أي مكان، في سبيل حريته مثلما حارب شعبنا " وسيؤكد ديفيد آخر
"إنني أتصور أنه لم يعد يوجد في هذا العالم أي شجاع إلا شعبنا اليهودي "
( غ.ك/ أ.ك/ دراسات، ص 598 ).



وما يقوله ( مالكولم ) الإنجليزي، يقوله
الإنجليزي ( ألن اليستار ) قائد المباحث القبرصية. يقر هذا بشجاعة اليهود وقوتهم ويرى
أن الصهيونيين " جماعة في غاية الذكاء، بوسع أي منهم إقناع البعير بأنه بغل، يا
إلهي، ساعتان مع ويزمان كدت بعدها أنتسب، أنا نفسي، للصهيونية " ( غ.ك/ أ.ك/ دراسات،
ص 599 ).



وإذا كان اليهودي في نظر ذاته، وفي نظر
الأوروبي الصهيوني على هذه الشاكلة، فإن الآخرين فـي نظـره أقل منه. "البولونيون
جبناء، والألمان برابرة، والأتراك مرتشون، واليونانيـون أذلاء، والعرب فرارون وخونة،
والإنجليز متواطئون، والأمريكيون انتهازيون " ( غ.ك/ أ.ك/ دراسات، ص 606 ).



ولعل ما يهمنا هنا هو تصوير الرواية للعرب.
يستطيع رجال (البالماخ )، وقد نفذ سلاحهم أن يجبروا " العرب على الفرار بإطلاق
صواريخ من الألعاب النارية وإذاعة أصوات انفجارات بواسطة مكبرات أصوات معلقة على الأشجار
في دافنا ". ( غ.ك/ أ.ك/ دراســات، ص 598 ). وماذا عن أهل فلســطين؟ يرى كنفاني
" أن سـتمائة صفحة من ( أكسودس ) مثلاً، ترتصف فكرة وراء فكرة لتنتهي بالمؤلف
إلى هذا القرار: " لو كان عرب فلسطين قد أحبوا أرضهم لما كان بوسع أي كان طردهم
منها، بدل الهرب منها دون سبب حقيقي. لقد كان لدى العرب قليل من الأشياء ليعيشـوا من
أجلها، وأقل من ذلك ليقاتلوا في سـبيله … وذلك ليس ردة فعل رجل يعشق أرضه " (
غ.ك/ أ.ك/ دراسات، ص 610 ). ومـا يقوله كنفاني وهـو يعقب، على ( أكسودس ) يتردد، كما
سـنرى، على لســـان سعيد .س في " عائد إلى حيفا ".



والعرب في ( أكسودس ) خبراء في البناء فوق
حضارات الأمم الأخرى. وحياة أطفالهم بائسة عديمة النفع، عكس حياة الأطفال اليهود. والزواج
لدى العرب تجارة. إنه بيع وشراء. والعربي مستعد لأن يبيع حياته مقابل دولار. والطفل
العربي يدور في الشارع يعرض على اليهودي أخته. والعرب قذرون لا يعرفون النظافة.
( ينظر:غ.ك/ أ.ك/ دراسات، ص611-ص615 ).






5-
صورة الذات والآخر في رواية كنفاني:



إذا ما قارنا حجم " عائد إلى حيفا
" بحجم ( أكسودس ) ( 90 صفحة على الأكثر مقابل 732 ( الطبعة الألمانية )، أدركنا
أن كنفاني لم يرسم للذات والآخر صورة موازية لتلك التي بدت في ( أكسودس ). وإذا كانت
الثانية حفلت بشخصيات يهودية وعربية وأوروبية، فإن الشخصيات في " عائد إلى حيفا
" تبدو محدودة، وقد أشار غير دارس إلى أن الرواية كتبت على عجل. ( عاشور، ص
146، وفيحاء عبد الهادي، ص 128 ). ومع ذلك لا يعدم المرء إمكانية المقارنة في باب صورة
الذات والآخر.



توقف غير دارس أمام صورة الفلسطيني في الرواية،
وأشار هؤلاء إلى أن صورة الفلسطيني الحاضرة في الرواية هي صورة سلبية، وأن الصورة الإيجابية
له يرد ذكرها ذكراً عابراً، وليست هذه هي الشخصية الأساسية. ( عاشور، ص 142، أبو مطر،
ص 217، وادي، ص67 ).



سعيد .س هو الشخصية الرئيسة في الرواية،
توازيه شخصية فارس اللبدة، وتحضر شخصية زوجة سعيد .س، ومن خلال أقوال بعض هؤلاء نعرف
عن بدر اللبدة وخالد، ولا نصغي إلى هذين.



غادر سيد .س وزوجته صفية حيفا عام 1948
هرباً، وفي فوضى تلك الأيام يخلفان ولداً صغيراً هو خلدون، يلتقيان به، من جديد، عام
1967، حيث يزوران بيتهما في حيفا بعد الهزيمة. لم يفعل سعيد .س ما بين 1948 و 1967
أي شيء لاسترجاع حيفا وابنه. ظل ينتظر الدول العربية علها تحرر فلسطين. ومثله فارس
اللبدة. هاجر هذا من يافا، وعاد إثر حزيران 1967 ليزور بيته هناك. والفلسطينيان اللذان
يفعلان هما بدر وخالد. استشهد الأول في معارك 1948، وقرر الثاني الالتحاق بالمقاومة
الفلسطينية وفعل.



الفلسطيني الذي نصغي إليه في الرواية عاجز
عن الفعل، بل أنه يقف عائقاً في طريق ابنه الذي يريد أن يفعل، ولا يتراجع عن مواقفه
إلا بعد أن أصغى إلى ابنه ( خلدون ) الذي غدا ( دوف ). إن قناعات ( دوف ) وأفكاره هي
التي جعلت سعيد. س يغير قناعاته.



مقابل الذات الفلسطينية هذه يكتب غسان كنفاني
عن شخصيات يهودية. وترى رضوى عاشور أن جهد غسان كان رياديا، وأنه حاول محاولة
" جادة لتقديم إنسان يهودي إسرائيلي كشخصية روائية" ( ص145 ) لقد اختار غسان
" رجلاً وامرأة من المهاجرين الأوروبيين الهاربين من مذابح النازية هما ايفرات
كوشن وزوجته ميريام. إنهما يهوديان عاديان وإن كانا يحملان مسؤولية الاستيطان في أرض
على حساب أهلها فهما في نفس الوقت ليسا من عصابات الصهيونية، بل إن الحكم الصهيوني
كان خدعة لهما بدرجة من الدرجات. إن ميريام البولندية الأصل ترى في الطفل العربي المقتول
صورة أخرى من أخيها الذي قتله النازيون في اوشفيتز، وهي ترغب في العودة مرة أخرى إلى
أوروبا. ( عاشور، ص145).



ترى عاشور أن كنفاني " يربط بواسطة
تقديم هذه الشخصية وتاريخها، لأول مرة في الأدب العربي، بين عذاب المضطهدين في كل مكان
"(ص145) ولكنها تعيب على غسان التسرع الذي تتسم الرواية به، فقد ترك اثره على
شخصيتي ميريام وزوجها اللتين كان من الممكن أن يقدما للقارىء بشكل أكثر عمقاً (ص146).
ولا تتوقف عاشور مطولاً أمام شخصية ( دوف). إنها ترى أنه ليس سوى مجموعة من العبارات
الخطابية، وأن شخصيات الرواية تعبر عن أفكار وقناعات أكثر منها شخصيات أخذت مداها في
النمو…" (ص144).



وأرى أن شخصية ( دوف ) وما يصدر عنها، بل
وما يصدر عن سعيد . س، هو ما يعزز أن كنفاني في تصوره للذات الفلسطينية وللآخر اليهودي
كان متأثراً بما قرأه في رواية ( أكسودس ).



( دوف )، كما ذُكر، هو خلدون الصغير الذي
تركه سعيد .س وزوجته صفية هاربين. لقد تبنته ميريام وزوجها ( ايفرات ) وربياه تربية
صهيونية، وحين التقى بوالده البيولوجي سعيد وتحاورا، حاوره بالفكر الذي زرعته الصهيونية
فيه.



إن ( دوف ) في "عائد إلى حيفا
"لا يختلف عن الشخصية الصهيونية في الرواية الصهيونية. و ( دوف ) اسم ورد ذكره
في رواية ( أكسودس )، ولم ينقل كنفاني الاسم وحسب.






يخاطب ( دوف ) والده البيولوجي قائلاً:
" كان عليكم ألا تخرجوا من حيفا – وإذا لم يكن ذلك ممكناً فقد كان عليكم بأي ثمن
ألا تتركوا طفلاً رضيعاً في السرير. وإذا كان هذا أيضاً مسـتحيلاً فقد كان عيكم ألا
تكفوا عن محاولة العودة … لو كنت مكانك لحملت السـلاح من أجل هذا – أيوجد ســبب أكثر
قوة .. عاجزون … عاجزون، مقيدون بتلك السلاسل
الثقيلة من التخلف والشلل – لا تقل لي إنكم أمضيتم عشرين سنة تبكون. الدموع لا تسترد
المفقودين ولا الضائعين ولا تجترح المعجزات " ( غ.ك/ الروايات، ص 406 ).



الصهيونـي لا يكف عن محاولة العودة. إنـه
يحاول حتى يعود، وهو ما بدا في ( أكسودس ) إذ لم يكفّ اليهود عن محاولة العودة حين
أعادت السلطات البريطانية، ذات مرة، سفينة مهاجرين، ولم تسمح لها بالرسو وإفراغ من
فيها، والصهيوني يحمل السلاح ويقاتل وينتصر، وهو ما يبرز أيضاً في ( أكسودس )، أما
الفلسطيني في نظر الصهيوني فلا يفعل ذلك. وكنا لاحظنا من قبل، ما استخلصه كنفاني، بعد
قراءاته لـ ( أكسودس )، حول رأي الأدب الصهيوني في موقف عرب فلسطين من فلسطين. ولعل
العبارات الأخيرة من قول ( دوف ) وردت غير مرة في ( أكسودس ). ( حول ذلك انظر كتابي،
الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني، ص 30/31 ).






وهكذا نرى أن مرايا الذات والآخر في رواية
كنفاني تشكلت على ضوء قراءته للأدب الصهيوني، وبخاصة ( أكسودس )، وإن لم يعززها كنفاني
قدر ما أراد نقضها.



د. عادل الأسطة



6/3/2003
















المصادر والمراجع



المصادر




1- ثيودور هرزل، أرض قديمة – جديدة، ألمانيا، 1985، ط2 ( بالألمانية ).




2- غسان كنفاني، الآثار الكاملة، الروايات، بيروت، 1986، ط3.




3- ليون أوريس، أكسودس، ألمانيا، 1990. ط4 ( بالألمانية ).






المراجع:



1-
أحمد أبو مطر، الرواية في الأدب الفلسطيني، بيروت، 1980.



2-
إلياس صنبر، ثيودور هرزل: قطارات كهربائية وأشجار يوكالبتوس، الكرمل ( قبرص)
ع 21/22، 1986. ص 97-ص112.



3-
بديعة أمين، الأسس الأيديولوجية للأدب الصهيوني، بغداد، 1989، ج2.



4-
رضوى عاشور، الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني، ط
1977( نسخة مصورة عن دار الأسوار/عكا ).



5-
ستيفان فيلد، غسان كنفاني: حياة فلسطيني، ( سلسلة الموسوعة التربوية الفلسطينية
) نابلس، 1994. وقد صدر الكتاب بالإنجليزية عام 1975.



6-
عادل الأسطة، اليهود في الأدب الفلسطيني بين 13 و 1987، القدس، 1992. ( رسالة
دكتوراة 1991).



7-
عادل الأسطة، الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني، باقة الغربية، 1993.



8-
غسان كنفاني، الأعمال الكاملة، الدراسات الأدبية، بيروت، ط 1998.



9-
فاروق وادي، ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية، بيروت، 1981. ( نسخة مصورة
صادرة عن دار الأسوار في عكا 1985 ).



10-
فيحاء عبد الهادي، غسان كنفاني، الرواية والقصة القصيرة، القدس، 1990.



11-
فيصل دراج، صور اليهودي الغائمة في مرايا غسان كنفاني، مجلة الكرمل( رام الله
)، خريف 1997، ع 53، ص 21-32.



12-
هارتموت فيندرش، دائرة الطباشير القوقازية بالعربية، جريدة زيورخ،
14/1/1983.






انتهت



فراس
فراس
عضوجديد
عضوجديد

ذكر عدد المساهمات : 24
الرصيد : 75
أعجبني : 0
تاريخ التسجيل : 31/01/2011
العمر : 42
العمل/الترفيه : صحفي معد برامج ومدير موقع ثقافي
رقم العضوية : 418

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Empty رد: الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “

مُساهمة من طرف سناء الثلاثاء 08 فبراير 2011, 12:25 pm

يسلموووو كتيييييير اخي فراس ع طرح هالتحليل المتميز لرواية عائد الى حيفا

قلم غسان كنفاني راااائع ومبدع بكل معنى الكلمة ....في كتابة روايته ...

هذه الرواية عجبتني كتيييييييييير لما تحمله من واقع حقيقي ومؤلم جدا لفلسطينا وشعبنا الذي ضاق المر والهوان والظلم والتعسف من قبل الاحتلال ......وما فيها من عبر وعظات حكيمة مستفادة منها .....
واجمل شي بانه هناك فن واسلوب كتابي مميز لاتقان الادوار للشخصيات وابدع فيها ...

كلمات الشكر والاعجاب بهالرواية قليلة بحقها وبحق كاتبها المبدع والمتألق.....

بشكرك فراس مرة تانية
تقبل احترامي وتقديري.....
سناء
سناء
الإدارة
الإدارة

انثى عدد المساهمات : 1176
الرصيد : 1611
أعجبني : 39
تاريخ التسجيل : 11/12/2010
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالبة جامعية
رقم العضوية : 306

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ Empty رد: الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “

مُساهمة من طرف عائدون الثلاثاء 08 فبراير 2011, 1:17 pm



أشكرك أخي فراس على هذه النقل الرائع واختيارك الممتاز في تحليل هذه الرواية

ودعني أقدم بقلم الدكتور عادل الاسطة ما يلي :

أحمد دحبور: وصلت حيفا ولم أعد اليها

١٩ أيار (مايو) ٢٠٠٨بقلم عادل الأسطة

يجدر الوقوف عند أحمد دحبور بخاصة، فهو، مثل يحيى يخلف، من مهجري عام 1948 الذين حلموا منذ الهجرة بالعودة الى مدنهم وقراهم، وقد زادت حياة اللجوء القاسية من حنينهم، وظل هؤلاء ينظرون الى المخيمات على انها مخيمات العودة لا مخيمات التوطين. واذا كانت المأساة الفلسطينية عربية وفلسطينية، فانها لهؤلاء عربية وفلسطينية وخاصة.

ولد أحمد دحبور في حيفا عام 1946، وعاش في مخيمات اللجوء حياة صعبة يصفها على النحو التالي: "كان لوالدي الشيخ مهنة غريبة، فقد كان يغسل الأموات ويقدمهم للدفن، وكان يسحر في رمضان، ويقرأ القرآن على القبور، وكان هذا يعطي انطباعا في المخيم اننا أسرة على علاقة وطيدة بالموت، وكنا فقراء الى حد يصعب وصفه، ويمكن القول اننا كنا أفقر أسرة في المخيم" ويتابع: "كنا أسرة كبيرة العدد، ولم يتوفر لنا الا غرفة واحدة، حتى أن اخي الكبير عندما تزوج اضطر الى وضع ساتر قماشي بيننا وبينه هو وعروسه في الغرفة نفسها" (انظر: أعلام الأدب العربي المعاصر، سير وسير ذاتية، بيروت، 1996، مجلد 1، ص 589. وانظر ايضا مقدمة اعماله الكاملة، بيروت 1983، ص 21، ص22).

ولعل هذا هو السبب الذي حدا به الى الانحياز الى الفقراء واللاجئين معا، حتى اذا ما نضج والتحق بالثورة الفلسطينية وشهد المعارك التي خاضتها في الاردن ولبنان انحاز الى حيفا انحيازا مميزا. حقا ان محمود درويش غنى لحيفا وكرملها، وهو ما بدا في اشعاره التي كتبها بعد خروجه عام 1970، الا ان ثمة فارقا بين الاثنين، ففي حين غادر درويش حيفا واعيا لما يقدم عليه، غادر دحبور المدينة وعمره عامان، وكان حنينه اليها عائدا الى حياته في المخيم، لا لأنه عاش في حيفا، كما هو الحال مع درويش.

ويصبح دحبور الصوت الشعري المميز المعبر عن تطلعات شريحة كبيرة من شرائح المجتمع الفلسطيني، هي شريحة اللاجئين التي خرجت، نتيجة للحل السلمي، من المولد بلا حمص، مع أنها دفعت على مدار خمسين عاما ثمنا باهظا، حتى لكأن اللاجئين أصبحوا يهود التاريخ، وحتى ليبدو ما قاله مظفر النواب فيهم قولا غير مبالغ فيه. يقول مظفر:

"ومرت جنازة طفل على حلمي بالعشي
يراد بها ظاهر الشام
فقلت أثانية كربلاء
فقالوا: من اللاجئين
كفرت:
وهل ثم ارض تسمى لجوءا ليدفن فيها
وهل في التراب كذلك مقبرة اغنياء ومقبرة فقراء"
(أ.ك، لندن، 1996، 268)

وقوله:

"هنا دفن الطفل في آخر الامر

يا أرض غزة فاسترجعيه لئلا مقابرهم تستفز" (ص 270)

واذا كانت سميرة عزام صورت، قبل انطلاق الثورة، واقع اللجوء، وذلك في قصتيها “لأنه يحبهم” و “فلسطيني” وأبرزت لنا فيهما صورة اللاجيء، الخانع أو اللص او المتواطيء…الخ، فان دحبور الذي كبر واشتد عوده الشعري ابان تألق الثورة، يقدم صورة اخرى للاجيء، ويصبح الاخير رافضا للذل ثائرا على القيد:

“أسمع أبيت اللعن راوية المخيم
افتح له عينيك وافهم:
هذه الخرائب والمجاعة والخفوت
هذي الاعاشة والصدى الخاوي واشباح البيوت
فيها كبرت، بها كبرت
وفوضتني عن جهنم” (أ. ك، بيروت، 1983، ص 213)

على أن افتخاره هذا لم يجعل منه انسانا متعصبا، ولقد علمته حياة الناس في هذه البيئة حب الناس، كما علمه الجوع ورباه ان همومه ليست فردية ذاتية، وانما هي ذات بعد عربي، وإن ضن العرب عليه. وكما يذكر احمد دحبور، فانه نشأ كما نشأ جيله، المولود في أوساط الاربعينيات، حيث كانت القوائم المشتركة لما يسمى بجيل الستينيات تشمله من حيث كتابة قصيدة التفعيلة والالتزام بالثورة الفلسطينية، على خلفية هي خليط من وجودية وقومية" (انظر: الحياة الجديدة، رام الله، 12/2/1997). وقد عبر عن هذا في غير قصيدة، ومنها القصيدة السابقة نفسها:

"لي وجه وذاكرة
ولي في العمق بيت ما تهدم
فاترك علي الهم استأصل غرابه
اترك على الجوع، هذا الجوع رباني وعلمني كتابه
واذكر اذا استحلفت اني لم ابع اهلي وإن ضنوا عليا
(عربية هذي الهموم وانت تعلم
عربية، فانظر اليا)” (أ. ك، ص 216)

وبناء على ذلك فان عناوين بعض مجموعاته “حكاية الولد الفلسطيني" (1971) و "طائر الوحدات" (1973)، وعناوين بعض قصائده “حكاية الولد الفلسطيني” و “عرس على الطريقة الفلسطينية” و “راوية المخيم” و “الولد الفلسطيني يدعو الى الكلمة التي حذفتها الرقابة” و "لا مرثية الولد الفلسطيني" و "ساعتان من الكهولة على حساب الولد الفلسطيني" و "فلسطين الهوى"، لا تعبر عن اقليمية ضيقة.

وقد أصدر الشاعر مجموعته الاولى "الضواري وعيون الاطفال" (1964) يوم كان عمره ثمانية عشر عاما، وهي مجموعة يصفها بأنها "تتنطع لهموم" أكبر بكثير من الفتى الذي كتبها، وأكبر من وعيه ايضا" وقد ذهب فيها "الى تقليد الشاعر خليل حاوي الى درجة لا تخفى على أي مطلع” وكان يرى في "الغموض لوجه الغموض مسحة من عبقرية" (أ.ك، ص 18). واختلفت عنها مجموعاته اللاحقة، فلقد ارتطم عام 1969 بمشكلة الشاعر والجمهور، وذلك يوم تدفق الناس بالالاف ليتفرجوا ويسمعوا "شعراء الثورة"، ومن يومها اصبح الجمهور هاجسا له (انظر أ. ك، ص 10)، وان عاد، في فترة متأخرة ليكتب عن اعتراض الشاعر "على أشكال التعبير السائدة مما يماليء رغبات الجمهور السطحية" (انظر: الحياة الجديدة، 12/2/1997).

ويلاحظ الدارس لاشعار دحبور ان هناك توازيا طرديا ما بين اشعاره ومسيرة الثورة.. تقوى الثورة اثر هزيمة حزيران 1967 ويشتد عودها، فيكتب الشاعر يوم انطلاقتها في 1/1/1969 قصيدة "حكاية الولد الفلسطيني"، وفيها يتساءل عم سيخسره الفقراء، سوى جوعهم والقيد، حين يقاومون، وينهيها، وهو ممتليء إصرارا على المقاومة. يقول:

"لأن الكف سوف تلاطم المخرز

ولن تعجز

ألا لا يجهلن أحد علينا، بعد، إن الكف لن تعجز ( ص 202)

ومع أن الثورة خسرت مواقعها في عامي 70/1971، نجده يصر على ان زمانه زمان للبطولة، وأن الوصول الى كربلاء ليس معجزة، وكان أن خطا فانهدم الجدار المستحيل، علما بأنه كان مطلوبا على كل الحدود، ويكون دمه ليلا عربيا ممهورا بتواقيع الفقراء، وتظل دربه سالكة من ماء الجدب الى أقصى الطوفان. ويظل هذا الاصرار ماثلا على الرغم من تعرض الثورة، من جديد، لأزمات جديدة. وينهي الشاعر قصيدة "لا مرثية الولد الفلسطيني" التي وردت في ديوان "بغير هذا جئت" (1977) بالمقطع التالي:

"نعرف قبل هذا أن للفرس الفلسطيني همته
وأن عليه أن يتفرس الطرقات:
لا قمصاننا بيض فنرفعها
ولا أعناقنا جفت فنقطعها،
ولكنا نقوم الى بدايات الزمان -
وقبلنا دمنا يعوم على الصهيل:
لو قلت إن يد الفلسطيني مشركة لكفرني الجليل” (ص 454).

وتستمر هذه الروح في قصيدة "كلام الغريب" (1980)، وفيها يقول صاحب انا المتكلم له: أدرك التعب القافلة. وعلى الرغم من ذلك يطلب منه مزيدا من التعب.

وتختلف نغمة قصائد دحبور بعد الخروج من بيروت. إنها تبدو ذات نغمة هادئة. وعلى الرغم من أن الشاعر يشير الى أنه منذ "واحد وعشرون بحرا” (1980) بدأ يلجأ الى التجريب، حتى ليبدو هاجسه، إلا أنني أرى أن انطفاء جذوة المقاومة كان عاملا مهما في ذلك، ودليلي على هذا أنه كتب مع بداية الانتفاضة وإثر عودته الى غزة قصائد تذكر بقصائده ذات النزعة الغنائية. ويجدر هنا الوقوف قليلا امام مقالته "كيف تهدم؟ كيف تبني قصيدة" (الحياة الجديدة 12/2/1997)، ذلك أن جزءا مما ورد فيها يعارض ما ورد في مقدمة أعماله الكاملة، وبخاصة فيما يمس العلاقة مع الجمهور والموضوعات التي يمكن ان يكتب الشاعر فيها.

يرى الشاعر ان لكل شاعر بيئتين؛ عامة تشتمل على منظومات من القيم والاسئلة الثقافية والاجتماعية والسياسية وما الى ذلك، وبيئة ضيقة توجهه وتؤثر فيه بما يشبه التأثير الحزبي الخلوي، وتأثير الثانية يكون الأخطر والأعمق. وهذا ما انعكس لديه، ومن هنا اختلفت قصائده في الثمانينيات، الا اقلها، عن قصائده في السبعينيات. ولم يعد ارضاء الجمهور الذي كان هاجسه يفرض عليه أشكالا تعبيرية سائدة تماليء رغبات الجمهور السطحية.

ولعل دحبورا في مقالته يعفينا من تساؤلات عديدة، فهو ينهيها بقوله: "فأخشى ان يكون جوابي عن هذا السؤال الهام كيف تبني قصيدة؟ هو: كيف تهدم قصيدة ناجحة؟.. لست سعيدا بذلك لكنني احاول، أتعلم وأتألم.. انها مشكلتي اولا وأخيرا.. ولن أتوب"

ولكن ذلك لا يمنع من ابداء بعض الملاحظات فيما يمس شعره، ومنها ان قصائده التي كانت تثير الجماهير، وتلك التي كتبها فيما بعد على شاكلتها، هي قصائده التي نقرأها ونقف عندها لنتمعن فيها، خلافا للقصائد التي كتبها تحت هاجس التجريب. ولربما يعترض دحبور على ذلك، ويقول ان هذه القصائد لن تصمد أمام الزمن، واذا كان لها حتى الان سحر ما، فان سحرها يختلف من قاريء لقاريء، ويبدو تأثيرها على القاريء الفلسطيني مغايرا لتأثيرها على القاريء الاوروبي او القاريء العربي غير المسيس، وقد يضيف ايضا: إن تأثيرها على القاريء الفلسطيني نفسه سيختلف اذا ما اختلفت الظروف. وهذا رأي نقدي يحترم ويؤخذ به، ولكن قصائد الشعر التي صمدت هي تلك التي كان أصحابها يعبرون فيها عن تجربة انسانية او قومية او وطنية تعبيرا حارا، لا تلك القصائد التي كتبت في لحظات هادئة، تحت هاجس التجديد في الشكل.

وليس هناك من شك ان ثمة فارقا بين قصيدة دحبور "مفردات في المكان" (ابداع، نيسان وآيار، 1997، ص 27) وقصيدته "مسافر مقيم” (ابداع، كانون ثان، 1997، ص 19).

ولا أريد هنا أن ادخل في حوار حول طبيعة الشعر، ذلك أن ما يهمني هو الوقوف أمام المضامين ورؤية اصحابها فيها. وسوف اقف امام ثلاث قصائد هي “بنود الطموح” (1985) و “العودة الى شاي الصباح” (1988) و “مسافر مقيم” (1995).

كتب الشاعر "بنود الطموح"، وهو في تونس، ونشرها في مجلة "الكرمل" في العام نفسه (عدد 16)، وهي قصيدة من سبع قصائد، وفيها نصغي اليه يحصي بنود طموحه: أن يشرب الشاي فجرا، وأن يذهب الى كنوزه الدفينة في المدينة، وأن يراسل ايضا من خففت عليه جروحه، ولكي يحقق ذلك فلا بد من انجاز مدينة روحه التي تتكون من وقت وأرض أمينة. وكأنما هناك صوت يستكثر عليه هذا، ولكنه لا يتراجع، فلكي يحصل على الشاي والفجر والدفتر والطوابع لابد من قلاع وعسكر ومدافع، والأهم من هذا كله، لا بد من ان يدافع. (الكرمل، 16، 1985، ص 150)

وليست هذه القصيدة ذات نبرة خطابية. انها قصيدة هادئة، والهم الذي يؤرق الشاعر هو هم فقدان المكان الامين. وثمة قصيدة من القصائد السبع عنوانها "بلادنا" وفيها يتساءل "أليس من حقنا ؟ أليست بلادنا؟"

وكتب "العودة الى شاي الصباح" ليخاطب طفل الحجارة، هذا الذي أعرب، يوم خرج منتفضا، ان ضميرهم في السوق مستتر، ورأى فيه آخره الذي سينبت فيه ثانية، كما أنه - أي الطفل - سينبت في الشاعر. ويذكرنا قوله فيها:

"وقد أعربت يوم خرجت:

أن ضميرهم، في السوق، مستتر" (محمد علي اليوسفي، ابجدية الحجارة، 1993 ط 2، ص 117)

بقوله في قصيدة "العودة الى كربلاء":
"شاهدتهم - عين المخيم في لا تخطي - وكانوا:
تاجرا ومقامرا ومقنعا
كانوا دنانير الدخيل" (أ. ك، ص 259)
والثنائيات هي هي: الثوري والمقامر، صاحب الضمير والتاجر.

وتشعره الانتفاضة بالنشوة، فقد جعلت عودته الى حيفا قريبة جدا، وهو الذي عاش بعد الخروج من بيروت حياة صعبة، لأنه لم يكن يتنقل من مكان الى مكان بسهولة. لقد كان كل شيء يكشفه: الحقائب والملامح، واذا ما ابتسم بحث الاخرون عن القذيفة في ابتسامته، وهنا لا بد من ان يعبس. ولا يرى في ثورته، حين يثور، أنه يشاغب أو يعاتب، انه يلبي الينابيع الدفينة، ولا تعني هذه سوى العودة الى الوطن الذي هو وحده يمنحه الأمان، الأمان الذي لم يحصل عليه من العمومة والاخوة القساة، حتى اذا ما جاء الغزاة أدركته الجنازير وأدركه الشتات. وهكذا يعبر دحبور عن فرحته بالانتفاضة/

"فيا مقلاع
وجهتك الجهات
وما من وردة نصفين، بل هي وردة وردة
ولا سفر
بل العودة
ووحدك تطلق العصفور من حجر
فينفض ريشه الحجر"
أو "ويا شرري ومقلاعي
تعال نركب الدنيا
فسوف يعود، بعد الغيبة، البشر
ولا تبطيء..فها شاي الصباح السخن ينتظر” (اليوسفي، 122).

وليست هذه النغمة نغمة استثنائية في قصائد تلك الفترة (1988)، وقد أشرت الى قصيدة درويش "مأساة النرجس…ملهاة الفضة". ولكن ما يهمنا هنا هو قصائد دحبور بعد عودته الى غزة.

عاد الشاعر الى غزة، وكان واحدا ممن وافقوا على الحل السلمي، وكتب العديد من القصائد، وسوف اتناول واحدة منها هي قصيدة "مسافر مقيم” التي نشرها في مجلة ابداع المصرية، لانها تعكس، بوضوح، مشاعره بعد مجيئه الى غزة ضمن الحل المنجز.

والقصيدة تعبر، بحق، عن خيبة الشاعر من العودة التي تمت. ولا يختلف عنه يخلف في روايته المدروسة. حلم دحبور، كما حلم يحيى، بالعودة الى مسقط رأسهما، وكان الحلم يراودهما، على مدار رحلة النفي والشتات كما راود اللاجئين كلهم، وكانا يأملان -أي دحبور ويخلف- بعودة المقيم، لا عودة الزائر، وبعودة المنتصر لا عودة الضعيف. ولما جاء الأول قال:

“وكيف جئت أحمل الكرمل في قلبي
ولكن كلما دنا بعد ؟
حيفا، اهذي هي؟
أم قرينة تغار من عينيها ؟
لعلها مأخوذة بحسرتي
حسرتها علي أم يا حسرتي عليها ؟
وصلتها ولم اعد اليها
وصلتها ولم أعد اليها
وصلتها ولم أعد…” (ابداع، ص 25)

وليس هناك من شك في أن صوت الشاعر هنا هو صوت معظم العائدين، وما من شك ايضا في انه يعبر عن شعور اللاجئين القديم بالظلم الذي ألم بهم، الظلم الذي اخذوا يشكون في أنه سيزول عنهم يوما ما. ومن هنا دلف الى رسالة الغفران للمعري، واتخذ من حالةالانتظار التي عاشها بعض شخوصه في يوم الحشر مثالا لحالة انتظار اللاجئين. ومن قرأ المعري يتذكر علي بن منصور قبل ان تحل مشكلته. ولئن كان علي دخل الجنة في النهاية، فان اللاجئين الذين ما زالوا يعيشون في المخيمات فقدوا الأمل، ومن هنا كرروا تلك النكتة التي تذهب الى ان مشكلتهم لن تحل حتى في يوم البعث: لقد حوسب الناس جميعا، ودخل من يستحق النار النار كما دخل من يستحق الجنة الجنة، وامتلات هاتان قبل ان تحل مشكلة اللاجئين، ولما جاء دورهم ولم يكن لهم متسع، تقرر ان يعيشوا في الخيام من جديد. "لا أمي تريدني ولا أبي، والشاعر الاعمى يحار بي" هذا ما يقوله الشاعر الذي يقول ايضا: ‏

" كأن الشاعر الأعمى رآني
عند واد غير ذي زرع
وكنت خارج الفردوس والجحيم" (ابداع، 19)

ومن هنا جاء العنوان "مسافر مقيم". فالشاعر مسافر ومقيم، وهو لم يعرف الاستقرار من قبل، ولا يشعر به الان، ولن يشعر به الا اذا عاد الى حيفا. واذا كان الجار، وهو عائد من الحجاز، قد مات دون ان يعود الى حيفاه الخاصة فان الاخرين عادوا الى حيفا هم الخاصة: "كل حي وله حيفاه الا انت دون حيفا". وما كانت حياة دحبور وحياة اهله، يوم خرجوا، الا ضربا من الشقاء - وكان ينبغي الا يخرجوا، ولم يكن شخصيا مسؤولا عن خروجه، فقد كان ابن عامين، وقد رأى أبوه النجاة مخرجا-. ويطالع الشاعر الأعمى صاحب البصيرة الخطوط في كف الشاعر كما يطالع الجريدة، ويقرأ له ايامه القادمة:

“ - تخرج من مكيدة، تدخل في مكيدة
تخب في الدوار والحمى
جحيمك الفقدان
فردوسك الرجوع والأمان
فاهبط الى بداية الخروج
حرر جمرة الذكرى تحرك جبل النسيان" (ابداع، 21).

والعبارة التي تتكرر في القصيدة هي: "جحيمك الفقدان، فردوسك الرجوع والامان"، وهذا ما يعتمل في وجدان دحبور واللاجئين، وهذا ما قالته ام سعد في رواية كنفاني "أم سعد". لقد بدأ جحيم اللاجئين منذ اللجوء، واذا كانت حيفا هي الجنة، كما قالت ام الشاعر له، فان حلم العودة مثل حلم دخول الجنة، وكان درويش ومعين بسيسو قد استعارا مقولة ناظم حكمت ووظفاها في شعريهما: "أدخلوني الى الجنة الضائعة، سأصرخ صرخة ناظم حكمت "آه يا وطني"، هذا ما قاله درويش في قصيدة "النزول من الكرمل" (انظر ديوان أعراس، 1974، ص 30)

وتكمن الفجيعة في أن دحبوراً يكتشف بعد عودته انه وصل ولم يعد، وان الكرمل كلما دنا بعد. "وحيفا هذه ليست مدينة، انها الجنة، ومن لا يصدق فليسأل أمي" (انظر: أ. ك، ص 22). ويسأل امه، وهو طفل: يمه…خذيني الى حيفا" ويأتيه جوابها: "غدا تكبر، يا حبيبي، وتأخذني انت اليها"، وكبر ووصل حيفا، ولكن ليزورها لا ليعود اليها، ولعل امه التي كررت مع الاف اللاجئين: عائدون، لعلها ماتت دون ان ترى اجمل البلاد.

ويعبر الشاعر عن حقيقة مشاعره، وعن خيبته من الحل الذي لم يعد اللاجئين الى ديارهم "كان الجوع في خياله مدينة، ولم تكن حيفا هناك". فهل كانت ام حسين، وهي ام سعد الحقيقية، مخطئة حين قالت قبل موتها، وقد سئلت عن رأيها في (مدريد): "الان اشعر انني خسرت فلسطين، ولن اعود اليها (انظر الاداب 7 و 8/1992، ولم اطلع شخصيا على المقابلة التي اجريت معها، واعتمد هنا على الدراسة التي انجزها الدكتور اشتيفان فيلد ونشرتُها مترجمة في كنعان، عدد 83، 1996).

لقد ورد في قصيدة "كلام الغريب" التي نظمها الشاعر عام 1980:
"قال لي صاحبي: أدرك التعب القافلة
فمزيدا من التعب
ان غربتنا في قطار الدم العربي
تقتضي ان نواصل رحلتنا الشاملة
الطريق معذبة
وفلسطين ليست فلسطين الا اذا طلبت كاملة " (أ. ك، ص 688)

ولا يرمي الشاعر من رواء ذلك الى رمي اليهودى في البحر او طردهم منها، وكل ما يأمله ان يعود الذين هجروا منها اليها حتى تنتهي غربتهم وحتى تزول المشاعر التي تولدت نتيجة حياة المنفى. ولنلاحظ ان نهاية "مسافر مقيم" تختلف عن معظم نهايات قصائد الشاعر: من "لابد من أن ادافع" الى "يا حسرتي عليها!!".
avatar
عائدون
المدير العام لشبكة بيت الذاكرة الفلسطينية
المدير العام لشبكة بيت الذاكرة الفلسطينية

ذكر عدد المساهمات : 2671
الرصيد : 3929
أعجبني : 49
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : مساعد مهندس ديكور وتصميم داخلي , طالب في الجامعة اللبنانية
رقم العضوية : 1
الذات والآخر في رواية كنفاني “ عائد إلى حيفا “ 1-52101

المكتب الاعلامي
التابع لمؤسسة
بيت الذاكرة الفلسطينة





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى