عدد زوار المنتدى
.: عدد زوار المنتدى :.
< SPAN>
المواضيع الأخيرة
لن ننساكم
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 90 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 90 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 689 بتاريخ الجمعة 21 يونيو 2013, 9:15 pm
علمني البحر
2 مشترك
شبكة بيت الذاكرة الفلسطينية :: .:: الساحات العامة ::. :: الأقسام العامة والمتنوعة :: الساحة الإسلامية
صفحة 1 من اصل 1
علمني البحر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهِ، وبعد:
فقد قُدر لي أن أكون في أحد الأيام الماضية في رحلة إلى البحر، استمرت نحواً من 18 ساعة، زانها البعد عن صخب الدنيا، وانقطاع الاتصالات مع كل أحدٍ إلا مع الله، ومع أحبتي الذي كانوا معي.
البحر وما أدراك ما البحر!
إنه مدرسةٌ إيمانية! وفرصة لملء هذا القلب بتعظيم الله، إذ لا صلاح له، ولا سعادة إلا بأن يكون هذا القلب معظماً لله، ومخبتاً لخالقه، مملوءاً بإجلاله وهيبته.
إن السير في البحر، هو من جملة امتثال الأمر الإلهي في القرآن للتفكر والنظر والاعتبار ..
ألم يقل الله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}؟!
ألم يقل الله: { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }؟
أم كيف يتم تحقيق اليقين في قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} إلا بمثل هذا السير في الأرض، والنظر في ملكوت الله؟!
ألم يمدح الله المتفكرين في خلق السماوات والأرض؟: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
إن السير في الأرض قد يشترك فيه المؤمن والكافر، لكن المؤمن له في كل شيء عبرة، وفي كل أمر فكرة، تذكره بالله، والدار الآخرة وبحقيقة هذه الدنيا ..
المؤمن قد يخرج للنزهة البرية، وقد يمخر عباب البحر، لكنه يعود بفوائد وعوائد إيمانية، هي أعظم مما يقع من أُنْسٍ عارضٍ مع الصحب والأصدقاء ..
لقد ذكرتني عظمة البحر ـ وأنا بين أمواجه ـ عظمةَ خالقه، وأنه لا يخلق العظيم إلا عظيم، جل في علاه.
علمني البحر نعمة التوحيد ـ وأنا أرى الأمواج تتلاطم من حولي ـ وتذكرت حينها قول الله ﻷ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}!
فالحمد لله الذي جعلنا لا نستغيث إلا به في البر والبحر والجو.
علمني البحر ـ وأنا أمخر عبابه ـ شيئاً من معاني قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، وبقوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
سبحان الله!
هل تصورت الأمر؟ هب أن كل شجرة في الأرض، في بره وبحره صارت أقلاماً، ثم تحوّلت هذه البحار العظيمة إلى محابر، فصارت الأقلام تكتب كلمات الله، والبحار من ورائها بحار، ما نفدت ولا انتهت كلماته سبحانه وبحمده.
علمني البحر عظيم فضل الله علينا به، فهو أحد مستودعات الرزق الكبرى في الأرض: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فاللهم اجعلنا من الشاكرين!
علمني البحر وأنا أرى منظر الصيادين يصيدون السمك يسرَ هذه الشريعة حيث أباحت لنا ميتة البحر: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}.
وقلتُ في تفسي ـ وأنا أرى ما يقع لبعض الصيادين من تتابع بعض الأسماك دفعة واحدة في الشبكة أو في السنارة ـ: ماذا لو لم يجز لهذا الصياد أن يأكل إلا ما ذُكي؟!
إذن لفسد أكثر صيده، ولباء بالتعب، فالحمد لله على هذه الشريعة السمحة.
علمني البحر التفكر فيما أرى من آيات الله التي جعلها في هذا البحر: سفنٌ كبارٌ، تحمل آلاف الأطنان من النفط أو الأرزاق .. فتذكرتُ حينها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}! وتذكرتُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }.
هل تأملتَ ـ أيها المؤمن ـ هذه الحِكَم؟ {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ}!
وهل فتشت عن أثر هذا التأمل في تحققك بهذين الوصفين: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } صبّار عن محارم الله، وشكور لنعمه فلم يكفرها.
علمني البحر ـ وأنا أرى طيراً ينقر نقرةً عابرة على سطحه ـ شيئاً من معاني قوله صلى الله عليه وسلم ـ وهو يحدثنا عن قصة موسى مع الخضر عليهما السلام المخرجة في الصحيحين ـ: "يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر" أي: لم يأخذ.
علمني البحر أن من يغوص فيه ولو لأمتار قليلة، ويرى هذا التنوع العظيم في أنواع المخلوقات البحرية: فهذه أسماك كبيرة وتلك صغيرة، وهذه ألوانها تأخذ باللب، وتلك شعب مرجانية، وهذه أعشاب بحرية،
وفي كل شيء له آية **** تدل على أنه واحد
إن هذا التنوع في المخلوقات لأعظم دليل على كمال قدرة الله، وعظيم قيوميته، فمن يرزق هذه المخلوقات إلا هو؟ ومن يحفظها إلا هو؟ ومن يقوم عليها إلا هو! إنه الله الذي {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}، { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ }؟.
علمني البحر عِلْماً أورثني شعوراً لا أستطيع وصفه!
لقد مرّ من أمام ناظريّ ـ وأنا أرى هذه الأسماك بأحجامها المختلفة وألوانها البديعة المتنوعة ــ أسماء وصور لعلماء ودعاة في الحاضر والغابر: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}! فتذكرتُ عظيم فضل الله عليهم حين منّ عليهم بتعليم الناس الخير، وتذكرتُ عندها الحديث الذي صح موقوفاً عن ابن عباس، وروي مرفوعاً من طرق أخرى لا بأس بها: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".
وهذا ـ لعمر الله ـ الشرف الذي لا يلحقه شرف!
ملائكةٌ! ونمل! وحيتان! لا يعلم عددهم إلا الله تستغفر لمعلم الناس الخير؟!
علمني البحر درساً عظيماً في فهم شيء من معاني قوله تعالى ـ وهو يضرب لنا مثلاً في مآل أعمال الكفار ـ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
ظلمات بعضها فوق بعض!
لقد رأيت من هذه الظلمات ظلمتين، فهالني الأمر، فكيف بمن غاص ليعيش ظلمات الأخرى؟ إنه مشهد يعز على الوصف!
هذه حقيقة عمل الكافر إذا مات على كفره وإن كان يحمل أعلى الشهادات، أو يتبوأ أعلى المناصب، فهنئياً لمن على التوحيد والسنة.
علمني البحر أنه دواء ناجع لعلاج الكبر!
فمن شعر بشيء من الفخر التعالي على العباد، أو القهر بغير حق، فليحمل نفسه يوماً، ولينطلق إلى هذا البحر ليعرف قدره، وأن الكبر لا يليق إلا بالجبار المتكبر!
لقد تذكرتُ، وأدركتُ شيئاً من حكمة الله أن جعل البحر المحطة الأخيرة في حياة رأس من رؤوس المتكبرين المفسدين في هذه الدنيا: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}!
علمني البحر أن ركوبه فرصةٌ لتنمية عبادة التفكر التي تورث الخوف والرجاء والحب للرب العظيم، وأن هذا التفكر من أعظم ما يبني قواعد الإيمان.
إنني حين أستمع أو أقرأ في حديث كثير من الشباب الذين يشكون من نوازع المعصية، ودوافع الغريزة، وأشعر في كلماتهم حديث الصدق، والخوف من الله = أقول لهم: لا تذهبوا بعيداً، فقلبوا أبصاركم في صفحة الكون، بره وبحره وجوّه ..
دونكم أيها الشباب والفتيات، فإن تربية القلب على عبادة التفكر والتدبر في آيات الله الشرعية والكوينة من أقصر الطرق لصلاح القلب، ودفعِ أمثال هذه الواردات، فإن القلب إذا امتلأ بتعظيم الله، فإنه يوشك أن يستحي أن يستمر في التفكير في معصية الله، فضلاً عن الاستمرار في مواقعتها، وإن وقع فلا يلبث أن يغشاه الحياء والندم، وهكذا في جهاد ومجاهدة حتى تستقر قدمه على الطريق، وإلى أن يلقى ربه؛ لقاء المحب لحبيبه.
اللهم املأ قلوبنا من تعظيمك وإجلالك، وارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة.
الحمد للهِ، وبعد:
فقد قُدر لي أن أكون في أحد الأيام الماضية في رحلة إلى البحر، استمرت نحواً من 18 ساعة، زانها البعد عن صخب الدنيا، وانقطاع الاتصالات مع كل أحدٍ إلا مع الله، ومع أحبتي الذي كانوا معي.
البحر وما أدراك ما البحر!
إنه مدرسةٌ إيمانية! وفرصة لملء هذا القلب بتعظيم الله، إذ لا صلاح له، ولا سعادة إلا بأن يكون هذا القلب معظماً لله، ومخبتاً لخالقه، مملوءاً بإجلاله وهيبته.
إن السير في البحر، هو من جملة امتثال الأمر الإلهي في القرآن للتفكر والنظر والاعتبار ..
ألم يقل الله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}؟!
ألم يقل الله: { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }؟
أم كيف يتم تحقيق اليقين في قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} إلا بمثل هذا السير في الأرض، والنظر في ملكوت الله؟!
ألم يمدح الله المتفكرين في خلق السماوات والأرض؟: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
إن السير في الأرض قد يشترك فيه المؤمن والكافر، لكن المؤمن له في كل شيء عبرة، وفي كل أمر فكرة، تذكره بالله، والدار الآخرة وبحقيقة هذه الدنيا ..
المؤمن قد يخرج للنزهة البرية، وقد يمخر عباب البحر، لكنه يعود بفوائد وعوائد إيمانية، هي أعظم مما يقع من أُنْسٍ عارضٍ مع الصحب والأصدقاء ..
لقد ذكرتني عظمة البحر ـ وأنا بين أمواجه ـ عظمةَ خالقه، وأنه لا يخلق العظيم إلا عظيم، جل في علاه.
علمني البحر نعمة التوحيد ـ وأنا أرى الأمواج تتلاطم من حولي ـ وتذكرت حينها قول الله ﻷ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}!
فالحمد لله الذي جعلنا لا نستغيث إلا به في البر والبحر والجو.
علمني البحر ـ وأنا أمخر عبابه ـ شيئاً من معاني قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، وبقوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
سبحان الله!
هل تصورت الأمر؟ هب أن كل شجرة في الأرض، في بره وبحره صارت أقلاماً، ثم تحوّلت هذه البحار العظيمة إلى محابر، فصارت الأقلام تكتب كلمات الله، والبحار من ورائها بحار، ما نفدت ولا انتهت كلماته سبحانه وبحمده.
علمني البحر عظيم فضل الله علينا به، فهو أحد مستودعات الرزق الكبرى في الأرض: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فاللهم اجعلنا من الشاكرين!
علمني البحر وأنا أرى منظر الصيادين يصيدون السمك يسرَ هذه الشريعة حيث أباحت لنا ميتة البحر: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}.
وقلتُ في تفسي ـ وأنا أرى ما يقع لبعض الصيادين من تتابع بعض الأسماك دفعة واحدة في الشبكة أو في السنارة ـ: ماذا لو لم يجز لهذا الصياد أن يأكل إلا ما ذُكي؟!
إذن لفسد أكثر صيده، ولباء بالتعب، فالحمد لله على هذه الشريعة السمحة.
علمني البحر التفكر فيما أرى من آيات الله التي جعلها في هذا البحر: سفنٌ كبارٌ، تحمل آلاف الأطنان من النفط أو الأرزاق .. فتذكرتُ حينها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}! وتذكرتُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }.
هل تأملتَ ـ أيها المؤمن ـ هذه الحِكَم؟ {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ}!
وهل فتشت عن أثر هذا التأمل في تحققك بهذين الوصفين: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } صبّار عن محارم الله، وشكور لنعمه فلم يكفرها.
علمني البحر ـ وأنا أرى طيراً ينقر نقرةً عابرة على سطحه ـ شيئاً من معاني قوله صلى الله عليه وسلم ـ وهو يحدثنا عن قصة موسى مع الخضر عليهما السلام المخرجة في الصحيحين ـ: "يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر" أي: لم يأخذ.
علمني البحر أن من يغوص فيه ولو لأمتار قليلة، ويرى هذا التنوع العظيم في أنواع المخلوقات البحرية: فهذه أسماك كبيرة وتلك صغيرة، وهذه ألوانها تأخذ باللب، وتلك شعب مرجانية، وهذه أعشاب بحرية،
وفي كل شيء له آية **** تدل على أنه واحد
إن هذا التنوع في المخلوقات لأعظم دليل على كمال قدرة الله، وعظيم قيوميته، فمن يرزق هذه المخلوقات إلا هو؟ ومن يحفظها إلا هو؟ ومن يقوم عليها إلا هو! إنه الله الذي {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}، { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ }؟.
علمني البحر عِلْماً أورثني شعوراً لا أستطيع وصفه!
لقد مرّ من أمام ناظريّ ـ وأنا أرى هذه الأسماك بأحجامها المختلفة وألوانها البديعة المتنوعة ــ أسماء وصور لعلماء ودعاة في الحاضر والغابر: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}! فتذكرتُ عظيم فضل الله عليهم حين منّ عليهم بتعليم الناس الخير، وتذكرتُ عندها الحديث الذي صح موقوفاً عن ابن عباس، وروي مرفوعاً من طرق أخرى لا بأس بها: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".
وهذا ـ لعمر الله ـ الشرف الذي لا يلحقه شرف!
ملائكةٌ! ونمل! وحيتان! لا يعلم عددهم إلا الله تستغفر لمعلم الناس الخير؟!
علمني البحر درساً عظيماً في فهم شيء من معاني قوله تعالى ـ وهو يضرب لنا مثلاً في مآل أعمال الكفار ـ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
ظلمات بعضها فوق بعض!
لقد رأيت من هذه الظلمات ظلمتين، فهالني الأمر، فكيف بمن غاص ليعيش ظلمات الأخرى؟ إنه مشهد يعز على الوصف!
هذه حقيقة عمل الكافر إذا مات على كفره وإن كان يحمل أعلى الشهادات، أو يتبوأ أعلى المناصب، فهنئياً لمن على التوحيد والسنة.
علمني البحر أنه دواء ناجع لعلاج الكبر!
فمن شعر بشيء من الفخر التعالي على العباد، أو القهر بغير حق، فليحمل نفسه يوماً، ولينطلق إلى هذا البحر ليعرف قدره، وأن الكبر لا يليق إلا بالجبار المتكبر!
لقد تذكرتُ، وأدركتُ شيئاً من حكمة الله أن جعل البحر المحطة الأخيرة في حياة رأس من رؤوس المتكبرين المفسدين في هذه الدنيا: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}!
علمني البحر أن ركوبه فرصةٌ لتنمية عبادة التفكر التي تورث الخوف والرجاء والحب للرب العظيم، وأن هذا التفكر من أعظم ما يبني قواعد الإيمان.
إنني حين أستمع أو أقرأ في حديث كثير من الشباب الذين يشكون من نوازع المعصية، ودوافع الغريزة، وأشعر في كلماتهم حديث الصدق، والخوف من الله = أقول لهم: لا تذهبوا بعيداً، فقلبوا أبصاركم في صفحة الكون، بره وبحره وجوّه ..
دونكم أيها الشباب والفتيات، فإن تربية القلب على عبادة التفكر والتدبر في آيات الله الشرعية والكوينة من أقصر الطرق لصلاح القلب، ودفعِ أمثال هذه الواردات، فإن القلب إذا امتلأ بتعظيم الله، فإنه يوشك أن يستحي أن يستمر في التفكير في معصية الله، فضلاً عن الاستمرار في مواقعتها، وإن وقع فلا يلبث أن يغشاه الحياء والندم، وهكذا في جهاد ومجاهدة حتى تستقر قدمه على الطريق، وإلى أن يلقى ربه؛ لقاء المحب لحبيبه.
اللهم املأ قلوبنا من تعظيمك وإجلالك، وارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة.
عاشقه فلسطين- الإدارة
- عدد المساهمات : 3160
الرصيد : 4000
أعجبني : 10
تاريخ التسجيل : 17/08/2010
العمر : 29
العمل/الترفيه : طــــــــــالبه
رقم العضوية : 24
رد: علمني البحر
سلمت يمناكي اختي عاشقه فلسطين
تقبلي مروري
تقبلي مروري
ورود الحياه- عضوVIP
- عدد المساهمات : 5770
الرصيد : 7462
أعجبني : 26
تاريخ التسجيل : 18/08/2010
العمر : 29
العمل/الترفيه : طالبه
رقم العضوية : 27
رد: علمني البحر
يسلموو ع تواجكـ بالموضوع
حفظكـ مولى
حفظكـ مولى
عاشقه فلسطين- الإدارة
- عدد المساهمات : 3160
الرصيد : 4000
أعجبني : 10
تاريخ التسجيل : 17/08/2010
العمر : 29
العمل/الترفيه : طــــــــــالبه
رقم العضوية : 24
مواضيع مماثلة
» .·:*¨`*:·. علمني المنتدى .·:*`¨*:·.
» (( علمني مدرس الكيمياء )) خاطرة بقلم احمد قدورة
» ملعب كرة قدم في البحر
» صور البحر الميت بع ـدستي ^_^
» مرحباً بأخينا بيافا قلب البحر
» (( علمني مدرس الكيمياء )) خاطرة بقلم احمد قدورة
» ملعب كرة قدم في البحر
» صور البحر الميت بع ـدستي ^_^
» مرحباً بأخينا بيافا قلب البحر
شبكة بيت الذاكرة الفلسطينية :: .:: الساحات العامة ::. :: الأقسام العامة والمتنوعة :: الساحة الإسلامية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 15 مايو 2016, 8:53 pm من طرف قلوب دافئه
» لماذا عُرج برسول الله من المسجد الأقصى ولم يُعرج به من المسجد الحرام
الأربعاء 16 مارس 2016, 12:33 am من طرف قلوب دافئه
» الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأحد 20 ديسمبر 2015, 1:06 am من طرف قلوب دافئه
» ضرب الأطفال
الأربعاء 25 نوفمبر 2015, 9:03 am من طرف قلوب دافئه
» الأدب فى رياض الصالحين
الإثنين 19 أكتوبر 2015, 11:13 am من طرف قلوب دافئه
» الصبر والأمانة باب القرب والعطاء
السبت 12 سبتمبر 2015, 3:54 pm من طرف قلوب دافئه
» إصلاح وتربية المجتمع بإصلاح قلوب أهله
الإثنين 17 أغسطس 2015, 11:23 pm من طرف قلوب دافئه
» احكام الفدية على المريض فى رمضان ومتى تجب عليه
الأحد 21 يونيو 2015, 12:04 am من طرف قلوب دافئه
» رؤية هلال رمضان
الإثنين 08 يونيو 2015, 4:46 pm من طرف قلوب دافئه
» ولم يك رب العرش فوق سمائه تنزّة عن كيف وعن برهان
الثلاثاء 02 يونيو 2015, 12:02 pm من طرف المحب لفلسطين
» لماذا عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى ولم يعرج به من المسجد الحرام
الثلاثاء 26 مايو 2015, 10:05 am من طرف قلوب دافئه
» لماذا طلب داعى اليهود والنصارى وإبليس نظره من رسول الله فى الإسراء والمعراج
السبت 16 مايو 2015, 8:27 am من طرف قلوب دافئه
» لماذا اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج دون باقى الأنبياء
الإثنين 04 مايو 2015, 6:26 am من طرف قلوب دافئه
» تحميل كتاب إشراقات الإسراء
الخميس 16 أبريل 2015, 12:30 am من طرف قلوب دافئه
» اختبار الغضب
الأحد 29 مارس 2015, 1:50 pm من طرف قلوب دافئه